للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب صاحبها بالشمال، ظاهرها موشّحٌ بكتاب الله، وباطنها مصرّحٌ بالإعراض عن الله، لُبّس منها الإيمان بالظلم، وجىء منها بالحرب الزبون في صورة السِّلم، مزلّة للأقدام، وسمٌّ يدب في باطن الإسلام، وأسياف أهل الصليب دونها مفلولة، وأيديهم عما يناله هؤلاء مغلولة، فإنهم يوافقون الأمة في ظاهرهم وزيهم ولسانهم، ويخالفونهم بباطنهم وبهتانهم، فلما وقفنا منهم على ما هو قذًى في جفن الدين، ونكتة سوداء في صفحة النور المبين، نبذناهم في الله نبذ النواة، وأقصيناهم حيث يقصي السفهاء من الغواة. وأبغضناهم في الله، كما أنا نحب المؤمنين في الله، وقلنا اللهم إن دينك هو الحق المبين، وعبادك هم الموصوفون بالمتقين، وهاؤلاء قد صدفوا عن [الله]، وعميت أبصارهم وبصائرهم عن بيناتك، فباعدت أسفارهم، وألحق بهم أشياعهم حيث كانوا وأنصارهم، ولم يكن بينهم إلا قليل وبين الإلجام فلا. . في مجال ألسنتهم، والإيقاظ [بحدة] من عقلهم ونصتهم، ولاكنهم رفعوا بموقف الخزي والهوى، ثم طردوا عن رحمة الله، ولو ردوا لعادوا، لما نهواً عنه، وإنهم لكاذبون.

" فاحذروا وفقكم الله هذه الشرذمة على الإيمان، حذركم من السهوم السارية في الأبدان. ومن عُثر له على كتاب من كتبهم، فجزاؤه النار التي بها يُعذب أربابه، وإليها يكون مآل مؤلفه وقارئه ومآبه، ومتى عُثر منهم على مُجْرٍ في غلوائه، عم عن سبيل الله استقامته واهتدائه، فَلْيُعاجل فيه بالتثقيف والتعريف، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون. أو لا يرد الذين حبطت أعمالهم، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها، وباطل ما كانوا يعملون. . . والله تعالى يطهر من دنس الملحدين أصقاعكم، ويكتب في صحف الأبرار تضافركم على الحق واجتماعكم، إنه منعم كريم " (١).

هذا كله فيما يتعلق بناحية التكفير، وناحية العقيدة، وهي التي اتخذت ذريعة لاتهام الفيلسوف وإدانته. بيد أنه كانت ثمة أسباب أخرى لغضب المنصور على الفيلسوف. منها توثق صلاته بالسيد أبي يحيى أخي المنصور ووالي قرطبة، وقد


(١) أورد ابن عبد الملك المراكشي نص هذا الكتاب الموحدي في " الذيل والتكملة " في ترجمة ابن رشد (المجلد الخامس من مخطوط المتحف البريطاني).

<<  <  ج: ص:  >  >>