للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العظمى، وهي التي قامت بدورها فوق أنقاض الجامع الأعظم، وهي تحمل اليوم اسمها الإسباني " لاخيرالدا La Giralda "، بيد أنها ما زالت بالرغم من تحولها إلى برج للأجراس، تحتفظ بكثير من روعتها الإسلامية القديمة، ومازالت تعتبر من أعظم الآثار الأندلسية الباقية (١).

ولما تم الاحتفال بإتمام صومعة الجامع الأعظم على هذا النحو انتقل المنصور إلى حصن الفرج، وقضى به فصل الصيف، وكان يؤثره لجمال موقعه، وطيب هوائه، ثم عاد إلى إشبيلية، فأقام بها أربعين يوماً أخرى، وعنى خلال هذه الفترة بتنظيم الشئون، وتعيين الولاة والعمال، فأسند ولاية إشبيلية إلى ولده السيد أبي زيد، وولاية بطليوس وجهاتها إلى السيد أبي الربيع بن أبي حفص بن عبد المؤمن، وولاية منطقة الغرب إلى أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن، وندب العمال للنظر في شئون الجباية في مختلف الجهات، ورتب الحاميات المختارة في مختلف القواعد، وأمر بتحصينها وإصلاح أسوارها (٢).

وكانت الأحوال قد تطورت عندئذ في مملكتي قشتالة وليون، وأنشىء حلف جديد لمقاومة الموحدين بين قشتالة وأراجون، وتقدم ملك أراجون بيدرو الثاني لمعاونة حليفه ألفونسو الثامن، وظهر أثر هذه المعاونة في اجتماع القوات المتحالفة لمقاومة الموحدين في منطقة وادي الحجارة، حينما قام المنصور بغزوته الثانية لأراضي قشتالة. ومع أنه لم يقع بين الفريقين اشتباك ذو شأن، فإن المنصور لم يغفل من حسابه أمر ذلك التكتل الجديد بين القوي النصرانية، ومن جهة أخرى فقد كان لذلك التطور أثره في موقف ألفونسو التاسع ملك ليون حليف الموحدين.

ذلك أنه كان قد غزا أراضي قشتالة بمعاونة قوة من الموحدين، ووصل في زحفه حتى مدينة كَرْيون، وذلك في نفس الوقت الذي غزا فيه الموحدون أراضي قشتالة من الجنوب. فلما انتهى الموحدون من غزوتهم، وانسحبوا إلى الجنوب، قامت قوة مشتركة من القشتاليين والأرجونيين بغزو مملكة ليون، واخترقت أراضيها حتى كويانسا (بلنسية دي دون خوان)، وحاصرت ملك ليون وحلفاءه الموحدين في قاعدة بنافنتي، فالتزم ملك ليون الدفاع، ولم يحاول


(١) راجع تاريخ منارة المنصور، وأوصافها القديمة والحالية في كتابي " الآثار الأندلسية الباقية " الطبعة الثانية ص ٥١ - ٥٦.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٠٤، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>