للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يشتبك مع خصومه. ثم انسحب القشتاليون وحلفاؤهم من أراضي ليون مثقلين بالغنائم، وعاد ملك أراجون إلى بلاده وزال الخطر عن مملكة ليون.

وقبيل مغادرة المنصور لإشبيلية، وفدت عليه رسل ملك قشتالة مرة أخرى في طلب المهادنة والسلم، فرأى المنصور على ضوء هذه التطورات، أن يجيبه إلى رغبته بشروط اشترطها، وهو ما يصفه صاحب البيان المغرب بأن التهادن عقد وفقاً لشريعة الإسلام (١). ومن جهة أخرى فإن ملك ليون، بعد أن تحرج مركزه، وأعلن البابا نفيه من الكنيسة، باعتباره خارجاً على الدين، وأذن لملك البرتغال بمحاربته متشحاً بالصفة الصليبية، قصد بنفسه إلى إشبيلية ملتجئاً إلى المنصور، وطالباً إليه معاونته بالجند والمال، ولكنه لم يوفق في مسعاه هذه المرة، نظراً لقيام التهادن والسلم بين الموحدين وبين مملكة قشتالة.

ولما انتهى المنصور من النظر في سائر الشئون، أصدر أوامره بالتأهب للعودة إلى حضرة مراكش. ثم غادر إشبيلية في أواسط جمادى الأولى سنة ٥٩٤ هـ (أواخر مارس سنة ١١٩٨ م) وعبر البحر في غرة جمادى الثانية، وقصد أولا إلى فاس، فأقام بها نحو عشرين يوماً طلباً للراحة والاستجمام، ثم غادرها إلى الحضرة، فدخلها في شعبان سنة ٥٩٤ هـ.

استقر المنصور في حاضرته، وهو متعب منهوك القوى، من جراء ما اضطلع به من الغزوات والأعمال مدى أربعة أعوام متوالية. وكان أول ما عنى به هو أخذ البيعة لولده أبي عبد الله محمد الملقب بالناصر، وكان قد اختاره لولاية عهده، حينما اشتد به المرض في سنة ٥٨٧ هـ، حسبما أشرنا إلى ذلك من قبل، فبايعه سائر أشياخ الموحدين، وأخذت له البيعة في سائر القواعد والجهات.

وكانت تصرفات الخليفة في هذه الفترة الأخيرة من حياته، تصطبغ بنوع من التقى والورع. فمن ذلك أنه أمر أن يجمع الأطفال الأيتام، وأن يُختنوا، وأمر لكل منهم بثوب ودينار من الذهب ودرهم من الفضة وحبة من الفاكهة، توضع في يده تخفيفاً لألمه. ويقول لنا المراكشي إن هذا الموسم لتختين اليتامى كان يقام كل عام (٢).


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٠٤، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٥. ويقول المراكشي أن الهدنة عقدت بين الموحدين وملك قشتالة لمدة عشر سنين (المعجب ص ١٦٠).
(٢) المعجب ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>