للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك أنه أمر بتمييز اليهود بلباس خاص. ونحن نعرف أن السياسة الموحدية، كانت منذ عهد الخليفة عبد المؤمن، تجري نحو الذميين على قاعدة التزمت وعدم التسامح، وأن عبد المؤمن، أمر في أواخر عهده بأن يعتنق النصارى واليهود الإسلام، أو يغادروا الأراضي الموحدية، وقرر الموت عقوبة للمخالفين. ولكن السياسة الموحدية جنحت من بعد عبد المؤمن إلى نوع من الاعتدال والتسامح، فترك النصارى واليهود أحراراً يعيشون في البلاد الموحدية. وكانت النظرة إلى اليهود دائماً أكثر تزمتاً وشدة منها إلى النصارى.

وكان الذي حدا بالمنصور إلى تمييز لباسهم، هو أنهم ازدهروا في عهده وتشبهوا بالمسلمين في اللباس، وشاركوهم في مظاهرهم وأساليب حياتهم، فرأى أن يفرض عليهم لباساً خاصاً يميزهم عن المسلمين. وكان هذا الزي عبارة عن قميص أزرق طوله ذراع وعرضه ذراع، وبرنس أزرق ذو أكمام مفرطة السعة والطول، وقلنسوة زرقاء يضعونها على الرأس مكان العمامة، تصل إلى الأذنين. ويقول لنا المراكشي إن الذي حمل المنصور على هذا التصرف إزاء اليهود، هو شكه في إسلامهم، وأنه كان يقول لو صح عندى إسلامهم، لتركتهم يختلطون بالمسلمين في سائر أمورهم، ولو صح عندى كفرهم لقتلت رجالهم وسبيت ذراريهم، وجعلت أموالهم فيئاً للمسلمين، لكني متردد في أمرهم، وهم يظهرون الإسلام، ويغشون المساجد، والله أعلم بما تكن صدورهم. وصدر قرار المنصور بتمييز اليهود في أوائل سنة ٥٩٥ هـ. وقد نظم ابن نغرالة زعيم اليهود المغاربة يومئذ، وهو فيما يبدو سليل أسرة بني نغرالة أو بني النغريلي التي ازدهرت في غرناطة أيام باديس بن حبوس، أرجوزة يتهكم فيها على هذا القرار، وما فرضه من اللباس الأزرق، ويواسي مواطنيه اليهود، هذا مطلعها:

لبس ذا الأزرق ليس فيه خسارا ... فافهموا يا قوم هذه الإشارا

ولما تولى الخلافة أبو عبد الله محمد الناصر لدين الله ولد المنصور، استغاث به اليهود، واستشفعوا لديه بكل من استطاعوا لإقالتهم من هذا الزي المرهق، فأمر أن يستبدلوه بثياب صفر وعمائم صفر، واستمروا على ذلك بقية عهد الموحدين (١).


(١) المعجب ص ١٧٣ - والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢٠٥، ودائرة المعارف اليهودية: Vol. I. p. ٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>