للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الخليفة للحضور بعد ذلك وعيناه تذرفان الدمع، أوصيكم بتقوى الله تعالى، وبالأيتام واليتيمة. فسأله الشيخ أبو محمد عبد الواحد، يا سيدنا يا أمير المؤمنين، ومن الأيتام واليتيمة؟ قال اليتيمة جزيرة الأندلس. والأيتام سكانها المسلمون، وإياكم الغفلة فيما يصلح بها من تشييد أسوارها وحماية ثغورها، وتربية أجنادها وتوفير رعيتها، ولتعلموا أنه ليس في نفوسنا أعظم من همها، ونحن الآن قد استودعنا الله تعالى، وحسن نظركم فيها، فانظروا من المسلمين، وأجروا الشرائع على مناهجها.

وأوصى الخليفة أخيراً بالأغزاز (الغز) ومنحهم البركة التي أمر بها، كما أوصى بملاطفة العرب والإحسان إليهم، وشغلهم بالحركات، وعدم تركهم للعطلة والراحة. وأوصى بطلبة الحضر، وأن يكون لهم موضع خاص يشتغلون فيه بالمذاكرة. وأوصى أخيراً ببعض أصحاب المناصب، والعمال الذين أولاهم ثقته.

واختتم المنصور حديثه بالتوصية بقبائل الموحدين ووجوب مزاورتهم، وسماهم قبيلا بعد قبيل. وكرر حديثه إلى الأشياخ بأن يحفظوا الأمانة التي ألقيت إلى أعناقهم، وأن يجروا الشرائع على سننها، وأن يحرصوا على اجتناب الباطل. ثم دعا للناس، وانفض المجلس، وانصرف الموحدون، وكان هذا آخر العهد به (١).

ويقول لنا صاحب روض القرطاس، إن المنصور لما اشتد به المرض، وشعر بدنو أجله، قال لمن كان حوله من الأشياخ، ما ندمت على شىء فعلته في خلافتي، إلا على ثلاث، وددت أني لم أفعلها، أولها إدخال العرب من إفريقية إلى المغرب لأنى أعلم أنهم أهل فساد، والثانية بناء رباط الفتح، أنفقت فيه من بيت المال، وهو بعد لا يعمر، والثالثة إطلاق أسارى الأرك، ولابد لهم أن يطلبوا بثأرهم (٢).

وفي ليلة الجمعة الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ٥٩٥ هـ (٢٢ يناير سنة ١١٩٩ م)، توفي الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور بقصره بالصالحة (٣).


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٠٦ - ٢٠٩.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٢.
(٣) ويقول لنا صاحب روض القرطاس إنه توفي بقصبة مراكش (ص ١٥٢) وفي رواية أنه توفي في غرة جمادى الأولى سنة ٥٩٥، وفي أخرى أنه توفي غرة صفر (ابن خلكان ج ٢ ص ٤٣١) ويقول ابن الأثير إنه توفي ثامن عشر ربيع الآخر، وأن وفاته كانت بمدينة سلا (ج ١٢ ص ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>