للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودفن مؤقتاً بمجلسه بالقصر، وكتمت وفاته حيناً، ثم نقل رفاته إلى تينملل، ودفن بها، وثارت حول اختفائه بعض الروايات والأساطير، فزعم البعض أنه ترك الملك وأضحى مرابطاً بالأندلس، وزعم آخرون أنه تزهد وساح فى البلاد، وقصد المشرق ومات خاملا، ودفن بالشام، إلى غير ذلك (١).

وبوفاة المنصور يختتم عهد من ألمع عهود الدولة الموحدية.

- ٤ -

كان الخليفة يعقوب المنصور أعظم خلفاء الدولة الموحدية، إذا استثنينا جده عبد المؤمن، مؤسس الدولة وموطد دعائمها. وفى ظله بلغت الدولة الموحدية أوج قوتها وعظمتها، وظهرت على يديه روعة الملك وفخامته، فى أبهى حللها.

ويصفه ابن الخطيب بأنه كان " نجم بنى عبد المؤمن " وهى كلمة قوية جامعة (٢). وتشيد الرواية الإسلامية بخلال المنصور، وتفيض فى استعراض مآثره، وامتداح تصرفاته وسياسته، سواء من الناحية الداخلية أو من الناحية الخارجية، وتشيد بنوع خاص بغيرته فى الجهاد، وتفانيه فى الذود عن قضية الإسلام بالأندلس، ومن ثم كانت عنايته بتنظيم الجيش وتنميته، وشحنه بالفرق الجديدة من الفرسان والرجّالة، وتزويده بموفور العتاد والسلاح، والإنفاق عليه بسعة وسخاء، وإعداده للجهاد بصفة مستمرة. وكان يعنى بتوفير أرزاق الجند، ومنحها فى مواعيدها المقررة. وكان نظام العطاء فى الجيش، أن يمنح الجند الموحدون العطاء، (الجامكية) ثلاث مرات فى العام بصورة منتظمة، مرة فى كل أربعة أشهر، ويمنح الجند الغز أو الأغزاز، وكذلك العرب عطاءهم كل شهر. وكان رأى المنصور فى اختصاص الأجناد الغز والعرب بهذه المزية، هو أن الموحدين من أهل البلاد الأصليين ولهم بها الإقطاع والأموال الكثيرة. أما الغز والعرب، فهم غرباء لا شىء لهم فى البلاد يعتمدون عليه سوى هذا العطاء الرسمى المنظم (٣). وكان لهذه العناية بتوفير أعطية الجيش أثرها القوى فى رفع همم الجند، وشحذ


(١) البيان المغرب ص ٢١١، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٣١.
(٢) ابن الخطيب فى الإحاطة فى ترجمة أبى يعقوب يوسف (مخطوط الإسكوريال السالف الذكر - لوحة ٣٩٥).
(٣) المراكشى فى المعجب ص ١٦٣، والبيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>