للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب مالك وأن يزيله من المغرب (١). وكان المنصور أيضاً من أشد دعاة المذهب الظاهرى، وهذا المذهب الذى اشتهر على يد الفيلسوف ابن حزم القرطبى فى أوائل القرن الخامس الهجرى، يرجع إلى القرن الثالث، ومؤسسه هو خلف بن داود الأصفهانى المتوفى سنة ٢٧٠ هـ، وقد وضع أسسه فى نحو منتصف القرن الثالث، وخلاصتها أنه يجب فى صوغ أحكام الشريعة أن يُرجع فقط إلى ظاهر القرآن والسنة أى الحديث، وألا يُؤخذ فى ذلك بالرأى أو القياس، وأن يبقى الإجماع محصوراً فى إجماع صحابة رسول الله. ويبدى ابن حزم إمام المذهب الظاهرى بالأندلس تشدداً فى تطبيقه على العقائد، وهو لا يأخذ فى تفسير الأحكام إلا بالكلمة المكتوبة، والحديث الثابت، ويعتبرهما حاسمين فى صوغ الأحكام. وقد حمل الخليفة المنصور الناس على اعتناق المذهب الظاهرى، والتزام الأخذ بالظاهر من القرآن والحديث. وكان المنصور يشكو من تعدد الآراء والأحكام المذهبية فى المسألة الواحدة، ويرى أن الأخذ بالمذهب الظاهرى يحسم كثيراً من هذه الخلافات. ونستطيع القول إن المذهب الظاهرى، غدا هو المذهب الرسمى فى عهد المنصور، وعظم أمر الظاهرية، وانتشروا بالمغرب، وكانوا يسمون بالحزمية نسبة إلى الفيلسوف ابن حزم عميد المذهب. وكان المنصور يبجل ابن حزم، ويرتفع به وبعلمه إلى أسمى مكانة. ومما يذكر فى هذا الصدد، ما يروى، من أن المنصور، مر فى عودته من غزوه لأراضى البرتغال فى سنة ٥٨٧ هـ (١١٩١ م)، بشمال مدينة ولبة، حيث توجد قرية منت ليشم، وهى بلد بنى حزم، وبها قبر العلامة ابن حزم، فوقف المنصور على قبره، وهو يقول عجباً لهذا الموضع يخرج منه مثل هذا العالم، ثم قال " إن كل العلماء عيال على ابن حزم " (٢). ويقول لنا ابن الأثير إن المنصور عين فى أواخر أيامه قضاة من الشافعية. وقد كان الجنوح إلى مذهب الظاهرية، فيما يذكر لنا المراكشى من صفات أبيه الخليفة أبى يعقوب يوسف، وجده الخليفة الفقيه العالم عبد المؤمن بن على، إلا أنهما لم يفصحا عن هذا الاتجاه بشكل ظاهر،


(١) المراكشى فى المعجب ص ١٥٧ و ١٥٨، والتكملة لابن الأبار (القاهرة) ج ٢ ص ٥٦٣. وابن الأثير ج ١٢ ص ٥٧، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٣٢، والنويرى طبعة جسبار ريميرو السابق الإشارة إليها ج ٨ ص ٢٧٧.
(٢) المقرى فى نفح الطيب ج ٢ ص ١٦٢. ومازالت هذه القرية التى دفن بها العلامة الأندلسي الكبير، قائمة حتى يومنا، وهى تسمى اليوم باسمها الحديث " كاسا مونتيخو Casa Montejo ".

<<  <  ج: ص:  >  >>