للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ كانت الدولة الموحدية ما تزال فى بدايتها، وكانت عقيدة التوحيد تعلو على كل ما عداها. وكان من آثار هذا الاتجاه أن ازدهر علم الحديث فى عهد المنصور، وحظى طلابه بمنتهى التشجيع والرعاية (١).

ومن جهة أخرى فإنه يوجد ما يحمل على الاعتقاد، بأن المنصور لم يكن من الغلاة فى تصوير إمامة المهدى، ولم يكن بالأخص من المؤمنين بعصمته، وهو اتجاه تبلور فيما بعد، واتخذ على يد خلفائه صورته العملية (٢).

ومما يتصل بتقى المنصور، وورعه، وحماسته الدينية، ما نسب إليه من أنه كان ينوى افتتاح مصر، وضمها إلى الإمبراطورية الموحدية، لأنها كانت فى نظر الموحدين بلداً يجنح إلى البدع، وتشيع فيه المنكرات، وقد نوه بمشروع المنصور هذا نحو مصر، غير واحد من المؤرخين والرواة. فيقول لنا المراكشي، وهو معاصر لعهد المنصور إنه قد بلغه عن غير واحد " أن المنصور صرح للموحدين بالرحلة إلى المشرق، وأنه كان يذكر البلاد المصرية وما فيها من المناكر والبدع، ويقول، نحن إن شاء الله مطهروها، ولم يزل هذا عزمه إلى أن مات " (٣). ويفيض الرحالة ابن جبير، وهو أيضاً معاصر المنصور، فى رحلته، فى الكلام عن هذه النية الموحدية فى غزو مصر، وصداها فى مصر ذاتها، ويبدأ حديثه بالحملة على أحوال البلاد المشرقية، ولاسيما ما يقع ببلاد الحجاز من ظلم الحجاج وانتهاب أموالهم، ويعرب عن أمله فى أن تُقمع هذه البدع المجحفة بالمسلمين " بسيوف الموحدين أنصار الدين، وحزب الله أولى الحق والصدق، والذابين عن حرم الله عز وجل، والغائرين على محارمه، والجادين فى إعلاء كلمته، وإظهار دعوته، ونصر ملته ".

ثم يقول ابن جبير فى التنديد بأحوال المشرق وضعف إسلامه: " وليتحقق المتحقق، ويعتقد الصحيح الاعتقاد، أنه لا إسلام إلا ببلاد المغرب، لأنهم على جادة واضحة لا بنيات فيها، وما سوى ذلك مما بهذه الجهات المشرقية، فأهواء وبدع، وفرقة ضالة وشيع، إلا من عصم الله عز وجل من أهلها، كما أنه لا عدل ولا حق ولا دين على وجهه، إلا عند الموحدين أعزهم الله، فهم أئمة العدل فى هذا الزمان، وكل من سواهم من الملوك فى هذا الأوان، فعلى غير


(١) المراكشي فى المعجب ص ١٥٧ و ١٥٨.
(٢) المراكشي فى المعجب ص ١٦٤.
(٣) المعجب ص ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>