للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريقة، يُشعرون تجار المسلمين كأنهم أهل ذمة لديهم، ويستجلبون أموالهم بكل حيلة وسبب، ويركبون طرائق من الظلم لم يسمع بمثلها، اللهم إلا هذا السلطان العادل صلاح الدين، الذى قد ذكرنا سيرته ومناقبه، لو كان له أعوان على الحق ".

وأهم من ذلك ما ينوه ابن جبير من صدى الدعوة الموحدية بمصر، وانتشارها بصورة تدعو إلى الدهشة، ومن أن أكثر أهل مصر، بل كلهم " يرمزون بذلك رمزاً خفياً، وينسبون ذلك إلى آثار حدثانية، وقعت بأيدى بعضهم، وأنذرت بأشياء من الكوائن. . ولم يبق إلا الكائنة السعيدة من تملك الموحدين لهذه البلاد، فهم يستطلعون بها صبحاً جلياً، ويقطعون بصحتها، ويرتقبونها ارتقاب الساعة التى لا يمترون فى إنجاز وعدها. فشاهدنا من ذلك بالإسكندرية ومصر وسواهما مشافهة وسماعاً، أمراً غريباً، يدل على أن ذلك الأمر العزيز، أمر الله الحق، ودعوته الصدق. ونُمى إلينا أن بعض فقهاء البلاد المذكورة وزعمائها، قد حبّر خطباً أعدها للقيام بين يدى سيدنا أمير المؤمنين، وهو يرتقب ذلك اليوم ارتقاب يوم السعادة، والله عز وجل يبسطها من كلمة، ويعليها من دعوة، إنه على ما يشاء قدير " (١).

ونستطيع أن نربط بين هذه الأقوال التى يصف فيها ابن جبير صدى الدعوة الموحدية بمصر خلال مروره بها فى سنة ٥٧٩ هـ (١١٨٣ م)، أعنى قبيل عهد المنصور بقليل، وبين ما ذكره أبو القاسم المؤمن المصري فى كتابه المسمى " بالأنساب فى معرفة الأصحاب "، ونقله البيذق، عن أصحاب المهدي بمصر، فقد ذكر لنا من هؤلاء واحداً وخمسين رجلا بأسمائهم، وقال إنهم كانوا من أعيان بلادهم " وإنهم كانوا سامعين لقوله، مجيبين لأمره، مؤمنين به، مختارين صحبته، مؤثرين لحقه، معظمين لحرمته " (٢).

ويستخلص مما تقدم، ومن أقوال ابن جبير خاصة، أنه كانت توجد ثمة فكرة موحدية لغزو مصر، وأن هذه الفكرة ترجع إلى ما قبل عهد المنصور، وأنها ربما تبلورت فى عهد المنصور، واتخذت طابعاً قوياً، وذلك لما أبداه


(١) رحلة ابن جبير (المنشورة بعناية الدكتور حسين نصار - القاهرة سنة ١٩٥٥) ص ٥٣ و ٥٤.
(٢) نقله البيذق فى " أخبار المهدي ابن تومرت " ص ٣٠ - ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>