للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها مسجداً عظيماً واسع الفناء، يقول المراكشي بأنه كان أكبر مسجد في المغرب، وأنشأ له صومعة متناهية في العلو " على هيئة منار الإسكندرية " يُصعد إليها بغير درج. ولكن هذا المسجد لم يتم إذ انقطع العمل فيه بوفاة المنصور (١). ونزيد نحن على ذلك بأن معالم المسجد المشار إليه، وقواعد أعمدته مازالت قائمة في مكانها، تدل على عظم مساحته، وما زالت صومعته الشاهقة التي لم يكمل بناؤها قائمة في مكانها، على مقربة من شاطىء المحيط، وهي التي تعرف اليوم بمنارة حسّان (تور حسان)، وهي على نمط صومعة جامع إشبيلية الشهيرة (لاخيرالدا) (١). بيد أن أهم منشآت المنصور في الحاضرة الموحدية - مراكش - كان هو البيمارستان (المستشفى) العظيم، الذي كان أول صرح من نوعه حظيت به مراكش. وقد اختار لإقامته ساحة شاسعة، وعنى بتخطيطه وبنائه أعظم عناية، وغرست من حوله الحدائق، وأجريت المياه إلى سائر أجنحته، وزود بنفيس الأثاث والرياش، ومختلف صنوف الأدوية، وعين له رهط من مهرة الصيادلة لإعداد الأدوية على اختلاف أصنافها، ورصدت الأموال اللازمة للإنفاق على المرضى، وإطعامهم وكسائهم، وكان المريض الفقير إذا تم شفاؤه، زُود عند خروجه بمال يعيش منه حتى يرزق بعمل، وإن كان غنياً دُفع إليه ماله وتُرك وشأنه، وكان يؤم هذا المستشفى الكبير سائر المرضى من المحليين والغرباء، وكان المنصور يركب إليه في كل جمعة بعد الصلاة، ويعود المرضى، ويسأل عن أحوالهم وحاجاتهم، وكانت هذه المأثرة الإنسانية من أعظم مآثر المنصور وأخلدها (٢).

وأما عن منشآته بالأندلس فقد أشرنا إلى ما كان من إنشائه لحصن الفرج خارج مدينة إشبيلية، وإنشاء قصوره وقبابه، ثم إتمامه لصومعة جامع إشبيلية العظيمة، وهي التي كان أبوه قد أمر بإنشائها، ولم تكمل في عهده، فقام المنصور على إتمامها، وتزويدها بتفافيحها الذهبية حسبما أشرنا إليه في موضعه. وأنشأ المنصور في نفس الوقت بمدينة مراكش منارة الكُتيبة العظيمة على نسق صومعة جامع إشبيلية، كما أنشأ بمدينة الرباط صومعة مسجدها على نفس الطراز، وهي منارة حسّان التي لم يكمل بناؤها، حسبما تقدم. وقيل في شأن منارة الكتيبة إنه بدىء بإنشائها في عهد جده الخليفة عبد المؤمن، وقام هو بالعمل على إتمامها،


(١) المراكشي في المعجب ص ١٥٠.
(٢) المراكشي في المعجب ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>