للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسير فجأة إلى بلدة باجة الواقعة غربي تونس، وقد كانت من أخصب بلاد هذه

المنطقة وأوفرها حنطة وطعاماُ (١) ويقتحمها عنوة، ويستولي عليها، ويقتل حاكمها الموحدي على الفور. فبعث السيد أبو زيد في الحال جيشاً، تحت إمرة أخيه السيد أبي الحسن والي بجاية، لكي يعمل على إنقاذ باجة وحماية سكانها الذين عادوا إليها، وكان الميورقي قد عاد لحصارها، فلما علم بمقدم الموحدين، رفع الحصار عن المدينة وسار للقاء خصومه، وعسكر في موضع حصين بالقرب من قسنطينة، وهنالك أشرف عليه السيد أبو الحسن بجموعه، ونشبت بين الفريقين معركة هزم فيها الموحدون، واستولى الميورقي على معسكرهم وأسلابهم. وارتد أبو الحسن في بعض فلوله إلى بجاية وهو في أسوأ حال (٢).

وكانت مدينة بسكرة التي استولى عليها الميورقي من قبل قد خلعت طاعته، وعادت إلى طاعة الموحدين، فسار إليها يحيى، واقتحمها عنوة، وعاقب السكان على نكثهم، بقطع أيدي الكثير منهم، وقبض على عاملها الموحدي وزجه إلى السجن. وخشى أهل بونة أن يصيبهم ما أصاب أهل بسكرة، فبعثوا إلى الميورقي بطاعتهم. ووقعت هذه الحوادث في سنة ٥٩٨ هـ (١٢٠٢ م)، وعاد يحيى بعد ذلك إلى المهدية فاستقر بها بعض الوقت (٣). وفي خلال ذلك كان البلاط الموحدي بمراكش يتتبع أنباء الحوادث في إفريقية بمنتهى الجزع، ويحاول أن يقمع العدوان بالحملات المحلية المتوالية. فلما توالى فشل هذه المحاولات، جهز الخليفة الناصر، أو بالحرى مستشاروه من أشياخ الموحدين، حملة كبيرة ندب لقيادتها الوزير ابن يوجان، وسارت هذه الحملة إلى تلمسان ثم إلى بجاية ثم إلى قسنطينة، ولكنها لم تقم بأية محاولة لمقاتلة الميورقي، وعاد الوزير إلى تلمسان، وهنالك وصله الأمر بالنظر في أعمالها، ثم نُدب إلى ولاية فاس، وأقام بها حتى ندبه الناصر للسير معه إلى إفريقية (٤).

وكان هذا التردد في مطاردة الميورقي، راجعاً إلى اضطرام ثورة جديدة في منطقة السوس. وذلك أن دعياً من أصل أندلسي، ينتمى إلى قبيلة جزولة،


(١) وهي طبعاً غير باجة بالأندلس. راجع الاستبصار في عجائب الأمصار ص ١٦٠.
(٢) المعجب ص ١٧٩.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ١٩٥، وكذلك: A. Bel: Les Benou Ghania, p. ١١٣. (٤)
(٤) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢١٤، والمعجب ص ١٧٩. هذا وتراجع خريطة إفريقية في ص ١٦٣، حيث وضحت بها سائر المواقع التي كانت مسرحاً لتلك المعارك المتوالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>