يسمى عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الفرس، ويعرف بالمهر وبأبى قصبة، كما يعرف عند البربر بما معناه " ابن الجزارة " ثار بالسوس. وكان هذا الدعى من طبقة العلماء بالأندلس. وحضر ذات يوم مجلس الخليفة يعقوب المنصور وبدرت منه بعض أقوال جدلية خشى عاقبتها، فاختفى حيناً، ثم ظهر بعد وفاة المنصور، في السوس في منازل جزولة، وانتحل الإمامة، وادعى أنه " القحطاني " الذي ورد ذكره في الحديث، بأنه لا تقوم الساعة، حتى يخرج رجل من قطحان، يقود الناس، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً، ومما ينسب إليه في مصير بني عبد المؤمن شعر يقول فيه:
قولوا لأبناء عبد المؤمن بن علي ... تأهبوا لوقوع الحادث الجلل
قد جاء سيد قحطان وعالمها ... ومنتهى القول والغلاب للدول
وذاعت دعوة أبي قصبة في أرجاء بلاد السوس، والتفت حوله جموع غفيرة، فبعث إليه بلاط مراكش عدة حملات صغيرة متوالية، كان يهزمها تباعاً، وأخيراً اضطر الناصر أن يجهز لقتاله حملة كبيرة من الموحدين والغز وغيرهم، وسار الموحدون إلى بلاد السوس، وأنذروا المصامدة وغيرهم من القبائل المجاورة، بأن الدعى يعتمد على تسامحهم وتغافلهم، وبذلك يقوى أمره، ولو شاءوا لقضوا عليه، فعند ذلك تحركت القبائل وانضمت إلى الجيش الموحدي القادم، في مقاتلة الدعى، فانفض عنه معظم جموعه، وقتل منهم من وقف إلى جانبه، وقُبض على الدعى وقتل، واحتز رأسه، وأرسل إلى مراكش، وكان مصرع أبي قصبة وانهيار ثورته، على هذا النحو سنة ٥٩٨ هـ (١٢٠٢ م)(١).
وكان من حوادث الأندلس في تلك الفترة أن عزل الناصر أخاه السيد أبا محمد عبد الله بن المنصور عن ولاية إشبيلية، ولكنه عاد فاستبقاه في منصبه تحقيقاً لرغبته، وكان ذلك في سنة ٥٩٧ هـ. وفي أوائل هذا العام بالذات، وقع بإشبيلية حادث مفزع هو وقوع السيل العظيم، الذي لم يسمع بمثله من قبل، فاجتاح أجزاء كبيرة من سور المدينة، ولاسيما ما بين باب طُريانة وباب المؤذن، وغمرت المياه المدينة بأسرها، وسقط عدد كبير من دورها قيل إنه ستة آلاف، وكان من رحمة القدر أن وقع هذا السيل ظهراً، وكان وقوعه يوم الاثنين ١٩ من جمادى الأولى سنة ٥٩٧ هـ
(١) ابن خلدون في العبر ج ٦ ص ٢٤٦ و ٢٥٠، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢١٥، والمعجب ص ١٨٠