(٢٦ مارس ١٢٠١ م) واستمر ثلاثة أيام، ولو حدث وقوعه بالليل لغرق آلاف من أهل المدينة. واجتاح هذا السيل وادي النهر الكبير كله من قرطبة إلى إشبيلية، وحتى ثغر قادس، ومات من جرائه الكثيرون غرقاً. وكان من أشنع الحوادث التي شهدتها إشبيلية من عهد طويل (١).
- ٢ -
وكان الخليفة الناصر، وأشياخ الموحدين، يتأهبون في نفس الوقت لمشروع ضخم، هو افتتاح الجزائر الشرقية (جزائر البليار). وكان استمرار يحيى ابن إسحاق الميورقي في عدوانه، وتفاقم أمره في إفريقية، وفشل الحملات الموحدية المتوالية في القضاء على سلطانه، قد حمل البلاط الموحدي على أن يفكر في افتتاح ميورقة، والقضاء على سلطان بني غانية فيها، وضربهم بذلك في موطن قوتهم الأصلى، ومصدر مواردهم وأمدادهم البحرية، فيكون ذلك الفتح ذاته، وسيلة لضرب سلطان يحيى الميورقي في إفريقية، والتمهيد للقضاء على حركته.
وقد سبق أن فصلنا ظروف استيلاء بني غانية على الجزائر الشرقية، وقيام حكمهم في ميورقة، ومحاولة الخليفة أبي يعقوب يوسف أن يخضع عميدهم إسحاق ابن غانية لسلطان الموحدين، وما كان من إرساله سفيره علياً الربرتير إلى ميورقة، ليعمل على تحقيق هذه الغاية، وإخفاق الربرتير في مهمته، ثم قيام علي بن إسحاق بافتتاح بجاية، وبداية تلك الحركة المضطرمة، وتلك الحملات المخربة المتوالية، التي قام بها بنو غانية في إفريقية، واستيلائهم تباعاً على معظم قواعدها.
وكان على حكم ميورقة في ذلك الوقت الذي اشتدت فيه حركة يحيى بن إسحاق بإفريقية، أخوه عبد الله بن إسحاق بن غانية. وقد سبق أن أشرنا إلى الظروف التي استطاع فيها عبد الله أن ينتزع حكم ميورقة من أخيه محمد بن إسحاق وذلك في سنة ٥٨٤ هـ (١١٨٨ م)، واستبد عبد الله بحكم ميورقة، كبرى الجزائر، وازدهرت في عهده، واستمر على رياستها طوال هذه الأعوام دون منازع. وكان عبد الله، يتبع سياسة أبيه إسحاق بن غانية في مسالمة الدول النصرانية القريبة،
(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢١٤. والذيل والتكملة لابن عبد الملك (الجزء الرابع من مخطوط المتحف البريطاني، في ترجمة محمد بن أحمد بن تمام العذري.