ولاسيما جنوة وبيزة، ويعقد معها الصلات الودية، وكان ذلك مما يساعد على رواج التجارة بين ميورقة وبين هذه الدول البحرية. وفي سنة ٥٩٤ هـ (١١٩٨ م) عقد عبد الله مع جمهورية جنوة معاهدة صلح وتجارة لمدة عشرين عاماً، وذلك بواسطة نيقولا لاكانوتزى سفير جنوة إلى ميورقة. وكان التجار النصارى في الجزيرة، يعيشون في دعة وطمأنينة آمنين على أنفسهم وأموالهم، وتعاون جهودهم في ترويج تجارة الصادر والوارد بين الفريقين. وكان من الواضح أنه منذ اضطرمت الخصومة بن بني غانية والموحدين، لم يكن في وسع الجزائر أن تعتمد في تموينها ومواردها الحيوية على الأندلس المعادية، ومن ثم فقد كانت تسعى للحصول على مواردها من النصارى، وكان هؤلاء يمدونها بالسفن والسلاح والذخائر، مقابل الحبوب ومنتجات الجزيرة الأخرى. ومن جهة أخرى، فقد كان النصارى يجنون ثمار هذه الصلات الودية مع ميورقة، وذلك بامتناع عبد الله عن الإغارة على شواطئهم. على أن عبد الله كان ما يزال ينظم غاراته البحرية على شواطىء الدول التي لم يكن يرتبط معها بعهود الصداقة والمودة، مثل فرنسا، وكانت هذه الغارات، توطد من مكانته لدى شعبه وتزيد في ثرائه. وبالرغم من أن عبد الله لم يكن في وسعه دائماً، أن يمد أخاه يحيى بالسفن والجند، في مغامراته الإفريقية، فإن ميورقة كانت تعتبر مع ذلك بالنسبة لبني غانية، مركزهم الرئيسي وموطن قوتهم الحقيقية (١).
كانت هذه أحوال ميورقة، حينما وصلت غزوات يحيى بن غانية للثغور الإفريقية إلى ذروتها، وحينما اعتزم البلاط الموحدي أن ينفذ مشروعه لغزو ميورقة، كوسيلة لضرب بني غانية في صميم مثوى قوتهم وسلطاتهم. وكان الموحدون يرون أنه متى سقطت ميورقة في أيديهم، فإنهم يستطيعون عندئذ أن يتفرغوا لمطاردة يحيى بن غانية والقضاء على سلطانه في إفريقية، دون أن يكون أمامه ملاذاً وملجأ أخيراً يتجه إليه.
وبذل الخليفة الناصر وأعوانه من أشياخ الموحدين جهوداً مضاعفة لإعداد حملة بحرية عظيمة توجه لغزو ميورقة. وفي تلك الأثناء، وقبل أن يتم إعداد الحملة، عمد عبد الله بن إسحاق بن غانية إلى مهاجمة جزيرة يابسة الواقعة جنوب