للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفن الموحدية إلى ميورقة واحتلت مرساها، وأنزل العسكر المهاجم بالقرب من مدينة ميورقة عاصمة الجزيرة، فخرج إليهم عبد الله بن إسحاق في جموعه، واضطرم القتال بين الفريقين، واستمرت المعارك بينهما سبعة أيام، وعبد الله وجنوده يدافعون بمنتهى الشدة ويقاتلون قتال اليأس، وأخيراً دارت عليه الدائرة فهزم وقتل ومعظم أصحابه. وأغلق المدافعون في الداخل أبواب المدينة فطوقها الرماة وغزاة البحر، واقتحموها، ودخلها الموحدون وبدأوا بنهبها، ودخل السيد أبو العلاء والشيخ أبو سعيد المدينة، وأمامهما رأس عبد الله مرفوعة على قناة، فأمر في الحال بمنع النهب، وتأمين الناس، وقبض على أولاد عبد الله وأهله، فخرج الناس، وقد أمنوا واطمأنوا، وكُتب في الحال بالفتح إلى الخليفة الناصر. وكان فتح ميورقة على هذا النحو في شهر ربيع الأول سنة ستمائة (شهر ديسمبر سنة ١٢٠٣ م) (١).

تلك هي تفاصيل الفتح الموحدي لميورقة حسبما يوردها لنا صاحب الروض المعطار، وحسبما تقصها علينا رسالة الفتح الصادرة عن الخليفة الناصر، والمدبجة بقلم كاتبه أبي عبد الله بن عياش. ويقول لنا صاحب روض القرطاس، إن الحملة الموحدية لفتح ميورقة كانت بقيادة الخليفة الناصر نفسه، وأنه خرج من مدينة فاس فوصل إلى جزائر بني مزغنة، وجهز من هنالك الأساطيل والعساكر لفتح ميورقة، ففتحها وانتزعها من أيدي المرابطين (٢). بيد أنه لا توجد أية رواية أخرى تؤيد هذا القول، فضلا عن أن رسالة الفتح الرسمية صريحة قاطعة في عدم صحته. ويقدم إلينا ابن خلدون إسمى قائدى الحملة وهما كما تقدم السيد أبو العلاء إدريس قائد الأسطول، والسيد أبو سعيد بن أبي حفص قائد القوي البرية (٣). ويقول لنا صاحب البيان المغرب إن الناصر كان في الوقت الذي سارت فيه الحملة الموحدية إلى الجزائر مقيماً بحضرة مراكش (٤).

وندب السيد أبو العلاء لولاية الجزائر عبد الله بن طاع الله الكومي، فكان


(١) الروض المعطار في روايته السابقة الذكر ص ١٨٩، وراجع الرسالة السادسة والثلاثين من رسائل موحدية، وهي خاصة بفتح ميورقة (ص ٢٣٥ وما بعدها)، وكذلك روض القرطاس ص ١٥٣.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٣، ويتابعه في ذلك الأستاذ الفرد بل: Les Benou Ghania, p. ١٦٧
(٣) ابن خلدون في العبر ج ٦ ص ٢٤٧.
(٤) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>