هذا الوقت بالذات، بتسيير حملتهم الكبيرة إلى الجزائر، كان يحول دون إرسالهم الأمداد العاجلة إلى إفريقية. ومن ثم فإن الظروف كلها كانت مؤاتية لمشروع يحيى الميورقي. فاستعمل على المهدية ابن عمه علي بن الغانى بن عبد الله بن محمد ابن غانية ويعرف بالكافى. وسار في قواته وعُدده صوب تونس، وذلك في أوائل شهر ذي الحجة سنة ٥٩٩ هـ، ونزل بالجبل الأحمر في ظاهر تونس، ونزل أخوه الغازى بن إسحق بالموضع المعروف بحلق الوادي حيث يتصل البحر بالبحيرة شرق المدينة، فردم المجرى الموصل بينهما وجعله أرضاً يابسة، ورتب عليه الحرس، وقطع بذلك سير القوارب الداخلة إلى المدينة والخارجة منها، ثم تحول إلى قبلى المدينة، على مقربة من باب الجزيرة وردم الخندق المواجه له، ونصب أمام الباب المجانيق وآلات الحرب، وضرب الميورقيون حول تونس حصاراً صارماً، ولم يجرؤ الموحدون على الخروج من المدينة، والاشتباك مع العدو في أية معركة، لقلة عددهم، وضآلة مواردهم. واستمر هذا الحصار المرهق أربعة أشهر. وفي يوم السبت السابع من شهر ربيع الآخر سنة ستمائة (١٥ ديسمبر سنة ١٢٠٣ م)، اقتحم يحيى في قواته البلد، وقبض على واليها السيد أبي زيد وولديه، وجماعة من أشياخ الموحدين، وثقفوا بمكان بداخل القصبة تحت حرس قوي، وأعلن يحيى الأمان لأهل تونس في أنفسهم وأملاكهم، ولكنه فرض عليهم غرامة قدرها مائة ألف دينار، قال إنها هي مقدار ما أنفقه في الاستيلاء عليها، وقُسّطت هذه الغرامة على أهل المدينة وفق أحوالهم المادية، وعهد باقتضائها إلى كاتبه الأثير ابن عصفور، وإلى أبي بكر بن عبد العزيز السكاك من أهل المدينة، فاشتطا في تحصيل المال، ولحق الناس من ذلك منتهى الإرهاق والعنت، وقتل منهم كثير بسبب ذلك، وانتحر إسماعيل بن عبد الرفيع المقدم على قبض مال المخزن وغيره من الناس، فلما علم الميورقي بذلك، أمر برفع ما بقى من الغرامة عن الناس، ونودى فيهم بالأمان. وعلم الميورقي بعد ذلك أن أهل جبل نفوسة توقفوا عن أداء الإتاوة المفروضة عليهم، وكان أهل هذه المنطقة معظمهم من الخوارج، وكانوا يبغضون نير الموحدين ونير بني غانية معاً، ويثورون من آن لآخر محافظة على استقلالهم. فخرج إليهم يحيى بنفسه، واستصحب معه السيد أبا زيد وزملاءه من الموحدين المعتقلين، مبالغة في التحفظ عليهم، وفرض على أهل نفوسة ألفى ألف دينار. ولما انتهى من اقتضائها منهم