وهكذا تم ليحيى بن إسحاق الميورقي الاستيلاء على عاصمة إفريقية، ولم يبق بيد الموحدين من إفريقية، بعد أن سقطت جميع قواعدها الشرقية والداخلية في يد الميورقي، سوى ثغر بجاية، وما يليه غرباً. وكان لسقوط تونس، وما اقترن به من أسر واليها وزملائه من أشياخ الموحدين، وقع عميق في بلاط مراكش. وكان مما يضاعف هذا الوقع، ما يرتكبه الميورقي باستمرار من ضروب العيث والقمع والقسوة، في مختلف القواعد التي يسيطر عليها. وكان الموحدون، بعد أن ظفروا بالاستيلاء على ميورقة، وجردوا بني غانية بذلك من ملاذهم ومركز سلطانهم في الأندلس، يرون أن الوقت قد حان للقضاء على سلطانهم بإفريقية، وتحريرها من نيرهم ومن عيثهم، واسترداد سلطان الموحدين، والعمل على توطيد هيبتهم في تلك الأنحاء. بيد أن الموحدين كانوا يشعرون في نفس الوقت بفداحة هذه المهمة، ومن ثم فإن الخليفة الناصر حينما شاور الأشياخ في ذلك الأمر، رأى معظمهم أن يكتفي بمسالمة ابن غانية والاتفاق معه، ولكن أبا محمد بن الشيخ أبي حفص أشار بوجوب السير إلى إفريقية، ومحاربة ابن غانية، ووافق الناصر على هذا الرأي.
وكان الناصر في الوقت الذي سار فيه الموحدون لفتح ميورقة، أعني في سنة ستمائة، يقيم بحضرة مراكش، ويعنى بشئون الأندلس الإدارية والعسكرية، وكان من أهم ما عنى بذلك إرسال الأوامر المؤكدة إلى سائر ولاة الأندلس بالنظر في صنع الآلات الحربية. ففي شهر المحرم من هذا العام، وصل الأمر إلى إشبيلية بضرب الآلات وشراء الدروع المحكمة. وفي شهر ربيع الأول ندب الناصر عمه السيد أبا إسحق بن يوسف بن عبد المؤمن لولاية إشبيلية، مكان الشيخ أبي عبد الله ابن يحيى، الذي نقل إلى ولاية بسطة. ووُلّى السيد أبا محمد عبد الواحد بن يوسف ابن عبد المؤمن على مدينة شلب وبلاد غربي الأندلس، والشيخ أبا يحيى بن أبي سنان على مدينة بطليوس وجهاتها. وندب أبا عبد الله بن عبد السلام الكومي لقيادة أسطول سبتة. وفي نفس العام وصل إبراهيم بن الفخار اليهودى رسول
(١) رحلة التجاني ص ٣٥٤ - ٣٥٦، وابن خلدون ج ٦ ص ١٩٥ و ٢٤٨.