للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثقلت على العين طلعتك، ثم زدت إلى أن ثقل على السمع كلامك، ثم زدت إلى أن ثقل على النفس جوارك، وقد أمرنا بإقصائك إلى أقصى الثغر ... ". ومن أقواله لأصحابه يوم المسارّة يشحذ هممهم للقتال: " هذا اليوم هو أس ما يبنى عليه، إما ذل الدهر وإما عز الدهر، فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون، تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون " (١).

وانتهى إلينا من نظم عبد الرحمن ما يدل على قوة شاعريته ورقة خياله. فمن ذلك قوله حين بلغه أن بعض أصدقائه يمن عليه، ويزعم أنه لولاه لما صار الملك إليه:

سعدي وحزمي والمهند والقنا ... ومقادير بلغت وحال حائل

إن الملوك مع الزمان كواكب ... نجم يطالعنا ونجم آفل

والحزم كل الحزم أن لا يغفلوا ... أيروم تدبير البرية غافل

ويقول قوم سعده لا عقله ... خير السعادة ما حماها العاقل

وأشاد بعضهم أمامه بموقف الغمر بن يزيد بن عبد الملك في مجلس عبد الله ابن علي جلاد بني أمية، ونعيه عليه إثمه في حقهم وسفكه لدمائهم، وفقده لحياته ثمناً لجرأته، فأنشد عبد الرحمن:

شتان من قام ذا امتعاص (٢) ... فشال ما قال واضمحلا

ومن غدا مصلتا لعزم (٣) ... مجرداً للعداة نصلا

فجاب قفراً وشق بحراً ... ولم يكن في الأنام كلاّ

فبز ملكاً وشاد عزاً ... ومنبراً للخطاب فصلا

وجند الجند حين أودى ... ومصر المصر حين أجلى

ثم دعا أهله جميعاً ... حيث انتأوا أن هلم أهلا (٤)

ومن قوله في التشوق إلى ربوع الشام، وهو رقيق مؤثر:

أيها الركب الميمم أرضي ... أقر من بعضي السلام لبعضي

إن جسمي كما علمت بأرض ... وفؤادي ومالكيه بأرض


(١) راجع نفح الطيب ج ٢ ص ٦٨ - ٧٠، حيث يورد عدة من رسائل عبد الرحمن وأقواله.
(٢) يريد الغمر بن يزيد بن عبد الملك.
(٣) يريد نفسه أى عبد الرحمن الداخل.
(٤) هكذا يوردها المقري (نفح الطيب ج ٢ ص ٦٨)؛ ولكن صاحب البيان المغرب يوردها بصورة أخرى ج ٢ ص ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>