مصرع ابن عطية الزناتى، أحد رؤساء زناتة الخوارج في منطقة تلمسان الجنوبية، وكان ممن تحالف مع ابن غانية حين غزوته لمنطقة تلمسان، فدس إليه ابن يوجان والي تلمسان من اغتاله بمقره. وفي هذا الحادث ما يدل على أن الاغتيال السياسي، كان من وسائل الموحدين في القضاء على خصومهم. ومنها أن الشيخ أبا محمد قام بغارة على أحياء الخوارج والمشاغبين من بني سليم، واستاق أشياخهم وأموالهم، وجعلهم رهينة لديه في تونس، حسماً لفسادهم وشغبهم، وإرغامهم على قطع إمدادهم ومعاونتهم لابن غانية، ومن جهة أخرى فقد قام محمد بن عبد السلام عامل طرابلس بغارة على منطقة جبل نفوسة واقتحم بها قصراً، ألفى فيه جملة من ثمين المتاع والأموال لبني غانية، ووطد أسباب الهدوء في تلك المنطقة.
وكان من أهم الحوادث في هذا العام أيضاً، الحريق الكبير الذي وقع بمراكش، وكان وقوعه في ليلة يوم الخميس الثالث عشر لجمادى الأولى، والناس يرقدون في مضاجعهم. وشبت النار أولا في حى القيسارية، وانتشرت بسرعة، وأتت على الحى كله، فشب الناس مذعورين من نومهم، وكثر الصراخ والاستغاثة، ونهض الخليفة الناصر على الضجيج وغادر قصره مسرعاً، واعتلى صومعة الجامع ليشهد تغلغل النار عاجزاً. واقتحم الغوغاء كثيراً من الدروب، وسلبوا ما استطاعوا سلبه مما سلم من الحريق، واستمر الحريق حتى صباح اليوم التالي، وقد أتى على كثير من أحياء المدينة. وأمر الناصر في اليوم التالي، بتتبع السفلة الناهبين، واسترداد ما يمكن استرداده منهم، فقبض على كثيرين من هؤلاء وأعدموا على الأثر. وهلك في تلك النكبة كثير من الأموال والدور، وافتقر كثير من ذوى اليسار، وفقدوا دورهم وثرواتهم. وأمر الناصر بأن يعاد تشييد الأحياء المحترقة بأحسن مما كانت عليه، خصوصاً وقد كانت تواجه القصر الخليفى يسبغ عليها أضواءه (١).
هذا ويذكر لنا صاحب البيان ضمن حوادث هذا العام، أعني عام ٦٠٧ هـ، حادثاً يستوقف النظر، وهو أن بعض أعيان جزيرة صقلية ووجوهها، وفدوا على الشيخ أبي محمد بن أبي حفص بتونس، ونبأوه بأن المسلمين في صقلية انتزعوا كثيراً من المعاقل من أيدي الروم، وأقاموا الخطبة في بلادهم بالدعوة المهدية الموحدية، وقطعوا ما سواها من الدعوات من عباسية وغيرها.