المسلمين في ولاية بلنسية، وأخذ يغير من هنالك في صحبه على أراضي أراجون. وكانت أول نتيجة لهذه الحوادث أن عقدت بين نافارا وقشتالة في سنة ١٢٠٧ م الهدنة لمدة خمسة أعوام. ثم تدخل ملك قشتالة بعد ذلك، بين زميليه ملك نافارا وملك أراجون، فعقدت بينهما الهدنة، وذلك في سنة ١٢٠٩ م، وانعقد بذلك نوع من الوئام والتفاهم، بين الممالك الإسبانية النصرانية خلا مملكة ليون.
وكان أجل الهدنة المعقودة بين ألفونسو الثامن وبين الموحدين، وهو سنة ١٢١٥ م، يدنو عندئذ من نهايته، وكان ملك قشتالة، بعد أن شعر بنوع من من الطمأنينة والأمل في عون زملائه، يضطرم رغبة في استئناف الحرب ضد الموحدين، فبدأ بالقيام بغاراته المخربة التي أشرنا إليها في منطقة جيّان وبياسة وأندوجر، وذلك خلال سنتى ١٢٠٩، ١٢١٠ م، ولم يحفل باحتجاج رسل الخليفة الموحدي، على هذا الخرق لنصوص الهدنة المعقودة، وكانت قلعة شلبطَرّة، التي يحتلها فرسان قلعة رباح، قاعدة لهذه الغارات الدموية التي ضج لها المسلمون يومئذ. وحذا بيدرو الثاني ملك أراجون حذو زميله ملك قشتالة، فعاث في منطقة بلنسية، انتقاماً لغزو السفن الموحدية لشواطئه، واستولى على عدة من حصون هذه المنطقة، وكان من الواضح أن ملك قشتالة يستطيع أن يعتمد على مؤازرة حليفه ملك أراجون، إذا ما اضطرمت الحرب بينه وبين الموحدين. وكان على رأس البابوية يومئذ حبر يضطرم بروح صليبية عميقة، هو البابا إنوصان الثالث، الذي اعتلى الكرسى الرسولى في سنة ١١٩٨ م، وقد سبق أن أشرنا في غير فرصة إلى ما كان يتمتع به الكرسى الرسولى لدى الممالك الإسبانية النصرانية، من مكانة راسخة ونفوذ قوي، وإلى ما كان يعلقه الملوك الإسبان، من أهمية بالغة، على الصفة الصليبية لحروبهم ضد المسلمين، ولاسيما عند اضطرام الحرب الشاملة بين الفريقين، وذلك استدراراً لعطف الأمم النصرانية المجاورة، واستجلابا للمتطوعة والمرتزقة النصارى من سائر الأنحاء. وكان ملك قشتالة حينما اعتزم أن يشهر الحرب على الموحدين، قد بعث جرهارد أسقف شقوبية إلى البابا إنوصان، ليرجوه أن يدعو أمم أوربا النصرانية لمؤازرته، وذلك بتنظيم حملة صليبية ضد المسلمين في اسبانيا، وأرسل كذلك ردريك مطران طليطلة (١) وعدة أخر
(١) هو ردريك الطليطلي صاحب التاريخ المشهور المنسوب إليه المكتوب باللاتينية Anales Toledanes، والمتضمن لتاريخ اسبانيا النصرانية حتى أوائل القرن الثالث عشر. وقد طبع بفرانكفورت =