للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أكابر الأحبار إلى فرنسا، وإلى الأمم المجاورة، للدعوة إلى قضيته واستثارة حماسة النصارى للعبور إلى اسبانيا، ومؤازرة الجيوش النصرانية في قتالها ضد المسلمين. ونزل البابا عند رغبة ملك قشتالة، وبعث إلى أساقفة جنوب فرنسا في يناير سنة ١٢١٢، بأن يعظوا رعاياهم بأن يسيروا بأنفسهم وأموالهم لمؤازرة ملك قشتالة، وأنه أي البابات يمنح من لبى هذه الدعوة الغفران التام. وكان الإنفانت الفتى دون فرناندو ولى عهد قشتالة، وولد ألفونسو الثامن قد توفي عندئذ، فبعث إليه البابا يعزيه عن فقد ولده، وكذلك عن فقد حصن شلبطرّة الذي استولى عليه الموحدون حسبما نفصل بعد، ويعرب عن خوفه بأن الحرب ضد " الألبيين " (١) في جنوب فرنسا قد تحول دون كثرة المتطوعين، وأنه يتمنى له الفوز في جميع الأحوال. بيد أنه يعرب عن نصحه له بأنه إذا استطاع أن يعقد الهدنة مع " أمير المؤمنين " فليفعل، حتى تسنح فرصة أفضل لضمان النصر المنشود.

كانت هذه هي أحوال قشتالة والممالك الإسبانية النصرانية، حينما عبر الناصر في جيوشه الجرارة إلى شبه الجزيرة الأندلسية، في شهر ذي الحجة سنة ٦٠٧ هـ (مايو ١٢١١ م). ويعلق صاحب روض القرطاس على عبور الخليفة الموحدي بقوله: " واهتزت جميع بلاد الروم بجوازه، ووقع خوفه في قلوب ملوكهم، وأخذوا في تحصين بلادهم، وإخلاء ما قرب من المسلمين من قراهم وحصونهم. وكتب إليه أكثر أمرائهم يسئلون سلامته ويطلبون منه عفوه "، ثم يقدم إلينا قصة غامضة عن مقدم ملك " بيونة " على الخليفة بإشبيلية " مستسلماً خاضعاً مستصغراً، يطلب صلحه، ويسأل منه عفوه وصفحه " وكيف أن الناصر وافق على مهادنته إلى الأبد، وأعطاه تحفاً جليلة (٢). ويرجع غموض هذا النص، إلى أن مدنية بيونة، وهي تقع في الطرف الآخر من البرنيه على خليج بسكونية، قرب مملكة نافارا، لم تكن يومئذ داخلة في حظيرة اسبانيا النصرانية، بل كانت من أملاك جون ملك


= سنة ١٦٠٦ م ضمن سلسلة Hispana Ilustrata ونشر أيضاً مع الطبعة العربية لتاريخ المكين بن العميد المطبوع بلندن سنة ١٦٢٥ م.
(١) الألبيون Albigences هم فرقة من الملاحدة ظهرت في جنوبي فرنسا في أوائل القرن الحادي عشر، واتخذوا مدينة " ألبي " مركزاً لهم ومنها اشتق اسمهم. وشهروا على الكثلكة ومبادئها ورسومها حرباً شديدة، واستمروا يبثون عقائدهم الإلحادية حتى نظم سيمون دي مونفور في أوائل القرن الثاني عشر عليهم حرباً صليبية انتهت بتمزيقهم.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٥ و ١٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>