للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انجلترا (ولد هنري الثاني)، وذلك بالوراثة عن أمه دوقة أكوتين. وقد ترتب على ذلك أن بعض الباحثين، رأو، بالاستناد في نفس الوقت إلى مؤرخ إنجليزي عاش في القرن الثالث عشر، أن صاحب روض القرطاس، يشير بذلك إلى سفارة وردت إلى محمد الناصر من قبل ملك انجلترا يومئذ، وهو الملك جون. ولكنا نلاحظ أولا أن صاحب روض القرطاس يتحدث عن مقدم " ملك بيونة " بنفسه، وليس عن مقدم سفيره، ومن جهة أخرى فإن كلمة " بيونة " هذه التي وردت في طبعة تورنبرج التي نعتمد عليها قد وردت مكانها كلمة " بنبلونة " في النص الذي نقله السلاوي (عن روض القرطاس) (١). ومعنى ذلك أن الذي ورد على الناصر، أثناء مقامه بإشبيلية هو ملك نافارا (نبرّة)، وهو حدث مفهوم معقول، يتفق مع ما سبق عقده من علائق المودة والتحالف بين سانشو السابع ملك نافارا الملقب " بالقوى " وبين البلاط الموحدي. وتسجل لنا التواريخ النصرانية نفسها أن سانشو السابع، كان قبل ذلك ببضعة أعوام، حينما شعر بالخطر يتهدد مملكته من جراء تحالف جاريه ملكى قشتالة وأراجون ضده، قد عبر البحر إلى المغرب ملتجئاً إلى عون الخليفة الموحدي، وذلك في سنة ١١٩٩ م، وأنه قد أقام بمراكش في ضيافة الخليفة الناصر، زهاء عامين، توطدت فيهما الصداقة والتحالف بين الملكين (٢). يضاف إلى ما تقدم أن الألفاظ التي صيغ بها نص روض القرطاس، والقصة كلها التي يوردها عن كيفية استقبال الناصر للملك المذكور، لا يمكن أن تنصرف إلى أية سفارة واردة من خارج شبه الجزيرة الإسبانية.

وإذاً فمن المرجح المعقول أن يكون ملك نافارا حليف الموحدين القديم هو الذي ورد على الناصر، وهو ملك " بنبلونة ". وهناك دليل آخر يؤيد هذا الرأي، وهو ما ورد في كتاب الناصر عن موقعة العقاب من إشارته إلى صاحب نبرّة ونكثه بحلفه وكونه " كان متعلقاً من الموحدين بزمام، وسخط عليه صاحب رومة إن لم يكن لقومه معسكراً، ولسواد أهل ملته مكثراً، فلحق بتلك الجموع مرهجاً " (٣)، ويقول لنا ابن خلدون إن الذي ورد على الناصر في تلك المناسبة، هو ملك ليون المعروف " بالبيبوج "، قدم عليه عام العقاب " فداخله، وأظهر له


(١) الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ج ١ ص ١٩٢.
(٢) M. Lafuente: Historia General de Espana, T. III, p. ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٣) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>