للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التنصيح، فبذل له أموالا ثم غدر به " (١). ونستطيع أن نلاحظ أخيراً أنه لم تكن ثمة أية علاقات سياسية ومصلحية، بين الموحدين وبين ملك انجلترا، تستدعى أن يأتى ملك انجلترا بنفسه إلى الخليفة الموحدي: " مستسلماً خاضعاً مستصغراً " وليس من الممكن أن ينسب مثل هذا التصرف إلا إلى ملك من ملوك اسبانيا النصرانية (٢).

وخرج الناصر في جيوشه من إشبيلية، حسبما تقدم في الأيام الأولى من سنة ٦٠٨ هـ (أواخر يوليه ١٢١١ م) متجهاً إلى جيان، فأبدّة وبيّاسة، ثم سار شمالا نحو قلعة شلبَطَرّة. وكانت هذه القلعة تقح على ربوة عالية على مقربة من جبل الشارات، وكانت من أكبر وأمنع قلاع تلك الناحية. ويبدو من أقوال صاحب روض القرطاس، أن الناصر كان يقصد السير توًّا إلى غزو قشتالة، ولكن وزيره أبا سعيد بن جامع، أقنعه بوجوب الاستيلاء أولا على قلعة شلبطرة، نظراً لمناعتها الفائقة، وأهمية موقعها (٣). بيد أنه يبدو من الروايات الأخرى أن غزو أراضي قشتالة، لم يكن قد تقرر لدى الخليفة بعد، وأنه كان يقصد الاستيلاء على شلبطرّة بأدىء ذي بدء. ويؤيد ذلك ما ورد في كتاب الفتح الخاص بشلبطرة على لسان الخليفة، بأنه وإن كان صاحب قشتالة أقرب من تعينت حربه داراً، فإن فصل الغزو، كان قد ذهب جُله، واستحالت الأرض من جراء الأمطار الغزيرة إلى غدور وأوحال، تحول دون مسير الخيل، وذهبت معظم الجسور، وأنه قصد إلى معقل شلبطرة لقيامه في قلب الإسلام، وكون النصرانية قد جعلته جناحاً لكل غاية، تخدمه ملوكها ورهبانها، وتتخذ منه عاصماً يعصمها (٤). وعلى أي حال فقد طوق الموحدون قلعة شلبطرة، بعد أن استولوا على أرباضها، وقتلوا بها من النصارى أربعمائة، وأضرموا النيران فيها، واستولوا على حصن آخر قريب منها تسميه الرواية " بحصن الّلج " ثم نصبوا حولها أربعين قطعة من المجانيق الهائلة، وضربوها بالحجارة الضخمة، ورموها


(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٨٣.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٥ و ١٥٦.
(٣) روض القرطاس ص ١٥٦ و ١٥٧.
(٤) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٣٩، وراجع أيضاً المعجب ص ١٨٢، وتضع بعض الروايات النصرانية سقوط القلعة في أيدي الموحدين في شهر سبتمبر سنة ١٢١٠ راجع:
La Orden de Calatrava (Ciudad Real ١٩٥٩) (p. ١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>