للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأهل ملته وحثهم على حماية دينهم، فاستجابوا، وانثالوا عليه من كل مكان ". ويقول لنا المراكشي وهو مؤرخ معاصر، إنه بعد رجوع أمير المؤمنين أبي عبد الله من هذا الفتح المتقدم الذكر (أعني فتح شلبطرة) إلى إشبيلية، استنفر الناس من أقاصى البلاد، فاجتمعت له جموع كثيفة (١). وإذن فمن الواضح أن غزوة شلبطرة كانت غزوة مستقلة، اقتصرت على فتح هذه القلعة المنيعة، وأن القوات الموحدية التي قامت بفتحها، لم تكن هي تلك الجيوش الجرارة التي عادت بعد ذلك بأشهر، لتلتقى مع الجيوش النصرانية في " مرتفعات " العقاب، وأن الموحدين والنصارى، قد انتفع كلاهما، بتلك الفترة لمضاعفة الأهبة والاستعداد.

ففي الوقت الذي حل فيه الناصر بإشبيلية، بعد عوده من غزوة شلبطرة، كان ملك قشتالة، يبذل أقصى جهوده في استكمال أهباته لمقاتلة الموحدين. ولم تكن هذه الأهبة تقتصر على قشتالة وحلفائها من ملوك اسبانيا النصرانية، ولكنها كانت تمتد بعيداً إلى ما وراء ذلك. وقد سبق أن أشرنا إلى مسعى ملك قشتالة لدى البابا، ليسبغ الصفة الصليبية على محاربته للمسلمين، وأن البابا قد استجاب إلى رغبته، وكتب إلى الأساقفة بدعوة النصارى في جنوبي فرنسا وغيرها إلى التطوع لمقاتلة المسلمين، وكان سقوط شلبطرة وهي مركز فرسان قلعة رباح في أيدي الموحدين على النحو المتقدم، نذيراً جديداً بتفاقم الخطر على مصاير اسبانيا النصرانية، وبتأكيد هذه الصفة الصليبية (٢). وكان المطران المؤرخ ردريك الطليطلى، وعدة من أكابر الأحبار عندئذ يجوبون جنوبي فرنسا لجمع المتطوعين. واستمرت هذه الجهود الصليبية تبذل خلال عام ١٢١١ م، وكانت الوفود المتطوعة تأتى تباعاً إلى طليطلة، التي تقرر أن تكون مكاناً لاجتماع الجيوش، والوفود المختلفة. وفي أوائل سنة ١٢١٢ م، عاد المطران ردريك ومعه جمهرة كبيرة من المتطوعة الفرنسيين، ثم اجتمعت بعد ذلك وفود المدن الإسبانية، وفرسان الولايات القشتالية المختلفة، وفرسان الجمعيات الدينية، وهم فرسان قلعة رباح، وشنت ياقب، والأسبتارية، والداوية (فرسان المعبد)، واجتمع كذلك سائر القوامس والفرسان القشتاليين، وفي مقدمتهم رؤساء أسرة لارا وفرسانها، والكونت ديجو لوبيث، ولوبى دياث دي هارو، ومن معهم من الفرسان. وكان


(١) الروض المعطار ص ١٣٧، والمعجب ص ١٨٢.
(٢) La Orden de Calatrava ; p. ١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>