للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدة قواد من الأحبار والسادة، وفي مقدمتهم ردريك مطران طليطلة، وتقدر الرواية عدد الفرسان في هذه الجيوش بثلاثين ألفاً، وذلك غير المشاة.

وخرج الناصر في جيوشه من إشبيلية في العشرين من محرم سنة ٦٠٩ هـ (٢٣ يونيه سنة ١٢١٢ م) متجهاً صوب جيان، وقاصداً لقاء النصارى. وكانت الجيوش النصرانية تسير في نفس الوقت نحو الأراضي الإسلامية، فوصلت طلائعها في اليوم الرابع والعشرين من يونيه، إلى حصن مَلَجون، وهو من حصون الحدود الإسلامية، فاستولت عليه، وقتلت حاميته الإسلامية الصغيرة، ثم استمرت الجيوش النصرانية في سيرها صوب قلعة رباح أكبر وأمنع القواعد الإسلامية في تلك المنطقة. وكان الخليفة المنصور قد انتزعها عقب موقعة الأرك من فرسان قلعة رباح حسبما تقدم وحول كنيسها إلى مسجد، وعين لقيادتها أبا الحجاج يوسف بن قادس، وهو من أنجاد الفرسان والقادة الأندلسيين، وكان يسهر على حمايتها، والدفاع عنها، من ذلك التاريخ، وكان لديه وقت مقدم النصارى حامية من سبعين فارساً (١). ولقى النصارى في عبور نهر وادي يانه الذي تقع قلعة رباح على مقربة من ضفته الجنوبية صعاباً، إذ كان المسلمون قد نثروا على جانبيه الصنانير والخوازيق الحديدية، فلما عبروا النهر، طوقوا القلعة في الحال، ولكن القلعة كانت فضلا عن مناعتها الطبيعية بوقوعها جنوبي النهر، تتمتع بأسوار وأبراج في منتهى المناعة، ومن ثم فقد تردد النصارى في مهاجمتها بادىء ذي بدء، ولبثوا تحت أسوارها ثلاثة أيام يبحثون فيما إذا كان من الأفضل الاكتفاء بتطويق القلعة، وترك افتتاحها لما بعد وقوع النصر، ولكن غلب الرأي في النهاية بوجوب مهاجمتها، فهوجمت بشدة في يوم ٣٠ يونيه، واستطاع النصارى أن يحتلوا قسمها الخارجي الذي يحاذى النهر، وهو أضعف قسميها من حيث المناعة. وهنا تتفق الروايتان النصرانية والإسلامية، فيما تلا من تفاهم المسلمين والنصارى على تسليم القلعة، ومنح الأمان لحاميتها، وتركهم أحراراً في مغادرتها إلى بلادهم، وذلك على نحو ما حدث في شلبطرّة بالنسبة لحاميتها النصرانية. وكان ابن قادس قد انتهى إلى هذا الرأي، بعد أن حاول الاستنجاد عبثاً بالناصر، وهو بمحلته القريبة، وبعد أن أيقن بعبث الدفاع، وتعريض رجاله لموت محقق، إذا هو أصر على القتال. وكان ألفونسو ملك قشتالة، يؤيد هذا الحل السلمى الذي يمكنه


(١) روض القرطاس ص ١٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>