الروح النكد، الذي أشاع فيما بينها عوامل الشقاق والتنابذ، وأثار فيما بينها غير مرة ضرام الحرب الأهلية. وقد رأينا كيف عانت الأندلس في أواخر عهد الولاة من هذه الحرب الأهلية، التي اضطرمت بين المضرية واليمنية وبين البلديين والشاميين، وكيف كادت تودي بسلامة الأندلس ومنعتها. ثم رأينا كيف قضى عبد الرحمن الداخل معظم عهده في مكافحة الثورات المتعاقبة التي شهرها في وجهه زعماء القبائل والبطون في سبيل الاحتفاظ بسلطانهم المحلي. وهكذا كانت القبائل العربية في الأندلس منقسمة على نفسها، وإن كانت الرياسة قد بقيت فيها على يد الدولة الأموية الجديدة التي قامت في شبه الجزيرة. بيد أن العرب لم يكونوا بين كتلة الأمة الأندلسية أغلبية، بل كانوا بالعكس أقلية تتمثل بالأخص في الأرستقراطية العربية التي استأثرت بمعظم مغانم الفتح، واستولت حينا على أزمة الحكم، واحتلت في شبه الجزيرة معظم البقاع الخصبة. وقد ذكر لنا ابن غالب في " فرحة الأنفس "، كثيراً من البطون العربية التي استقرت بالأندلس، وبعض من كان ينتمي إليها من الأسر الأندلسية النابهة، وذكر لنا من منازلها، بلنسية وأوريولة وإشبيلية وغرناطة ووادي آش (١). وكانت الأرستقراطية العربية تستقر بالأخص في القواعد والمدن الكبيرة، ولا سيما في قرطبة، وتترك العمل في ضياعها الشاسعة للموالي والبربر، وكان أمراء بني أمية منذ عهد عبد الرحمن الداخل يعملون على مقارعة هذه الأرستقراطية القوية وإخضاعها، حتى جاء عبد الرحمن الناصر، فقضى على سلطانها السياسي والاجتماعي، ورفع إلى مكانها الموالي والصقالبة، ثم جاء المنصور بن أبي عامر، فعمل على تمزيقها وتشتيتها، وخلق أرستقراطية جديدة من البربر تقوم مكانها، ومن ذلك الحين تغيض الأصول العربية في شبه الجزيرة تباعا، وتضمحل مكانتها وأهميتها.
ويرجع انكماش العنصر العربي في الأمة الأندلسية، أولا إلى كونه يمثل الطبقة الممتازة وهي تكون الأقلية دائما، وثانيا إلى أن الهجرة العربية إلى شبه الجزيرة لم تكن هجرة غزيرة، وقد توقفت تقرييا منذ القرن الثالث الهجري، ولم يكن ما ينسب للأمراء والكبراء من كثرة النسل، لامتلاء قصورهم بالجواري، مما يعوض هذا النقص العنصري.
وإلى جانب الأقلية العربية الأرستقراطية، يجب أن نذكر طائفة الموالي التي