للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجتمع به. وكان اسمه عبد الرحمن، ويدعى أنه من بني عُبيد، وأنه ولد الخليفة العاضد بالله آخر الخلفاء الفاطميين. وكان قد ورد على المغرب، أيام الخليفة المنصور، وسعى إلى الاجتماع به فلم يأذن له، واستمر يطوف بالبلاد، إلى أن قُبض عليه بأمر الخليفة الناصر، واعتقل في سنة ٥٩٦ هـ، فلم يزل في سجنه إلى أن تحرك الناصر إلى إفريقية في سنة ٦٠٨ هـ، فشفع له فيه أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الهزرجى، فوافق على إطلاق سراحه، على أن يلتزم السكينة، وألا يشتغل بأي أمر غير مرغوب فيه. ولكن الدعى ما كاد يسترد حريته، حتى غادر مراكش إلى بلاد صَنهاجة، وهنالك التف حوله كثيرون ممن جذبتهم دعوته، وكانوا يعظمونه ويبجلونه. يقول المراكشي " وكان هذا الرجل كثير الإطراق والصمت، حسن الهيئة، لقيته مرتين، فلم أر في أكثر من شهدته من المشبهين بالصالحين، مثله في الآداب الظاهرة، من هدوء النفس، وسكون الأطراف، ووزن الكلام وترتيب الألفاظ، ووضع الأشياء مواضعها، مع الرياضة المفرطة ". ثم خرج هذا الرجل في جموعه متجهاً صوب مدينة سجلماسة، فخرج إليه واليها السيد أبو الربيع سليمان بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن، فهزمه العُبيدى، واضطر أن يرتد في فلوله إلى سجلماسة، ومازال العبيدي يتنقل بين قبائل البربر، من موضع إلى موضع، دون أن يستقر في مكان، أو تثبت حوله جماعة، إذ كان وفقاً لقول المراكشي " غريب البلد واللسان، لا عشيرة له ولا أصل بالبلاد يُرجع إليه " حتى رمت به المقادير إلى أحواز فاس. وكانت السلطات الموحدية تطارده أينما حل، فقُبض عليه بظاهر المدينة، وأودعه حاكم فاس، وهو السيد إسحاق، المطبق، وكتب إلى الخليفة المستنصر بأمره، فكتب إليه المستنصر يأمر بقتله وصلبه، قضُرب عنقه، وصلب جسده، وأرسلت رأسه إلى مراكش، حيث علقت هنالك إلى جانب عدة أخرى من رؤوس الثوار والمتغلبين (١).

ويضع ابن عذارى تاريخ ثورة العبيدي في سنة ٦١٢ هـ (١٢١٥ م)، ويقول إنه قام بثورته في بلاد جزولة، من إقليم السّوس، وكان يزعم أنه فاطمى من ذرية عبد الله الشيعي، ولم يزل يبث دعوته حتى ظفر به الموحدون فقتل وعلق رأسه على باب فاس (٢). بيد أننا نؤثر الأخذ برواية المراكشي،


(١) المراكشي في المعجب ص ١٨٦.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>