للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو معاصر وشاهد عيان، وهو ينفرد بما يقدمه إلينا من التفاصيل.

وفي نفس هذا العام، سنة ٦١٢ هـ (١٢١٥ م) وصل إلى مراكش إبراهيم ابن الفخار اليهودى وزير ملك قشتالة، سفيراً إلى الخليفة الموحدي في شأن التهادن وعقد السلم، فرحب المستنصر وأوصياؤه، بهذه الرغبة، ووجه كتابين إلى الأندلس، أحدهما إلى السيد أبي الربيع والي جيان، والثاني إلى الشيخ أبي العباس بن أبي حفص والي قرطبة، يطلب إليهما عقد التهادن والسلم مع ملك قشتالة، على جميع بلاد الموحدين بالأندلس، وفقاً للشروط التي اتُّفق عليها بين الخليفة وبين ابن الفخار، والتزم بها السفير القشتالي نيابة عن مليكه، وكان عقد السلم مع قشتالة على هذا النحو، خطوة طيبة، حققت للأندلس فترة من الهدوء والسلام (١).

ويجب لكي نفهم البواعث التي حملت قشتالة، على أن تسعى إلى عقد السلم مع الموحدين، ولما يمض سوى ثلاثة أعوام على انتصارها الساحق في معركة العقاب، أن نذكر أنه لما توفي ألفونسو الثامن ملك قشتالة، وهو الظافر في معركة العقاب، في أكتوبر سنة ١٢١٤ م، خلفه على العرش ولده الطفل هنري (إنريكى)، ولم يكن قد جاوز الحادية عشرة من عمره، فتولت أمه الملكة إليونور، الوصاية عليه، ولكنها توفيت بعد أشهر قلائل، فخلفتها في الوصاية أخته دونيا برنجيلا، زوجة ألفونسو التاسع ملك ليون المُطلَّقة، وكان آل لارا الأقوياء يطمحون إلى انتزاع الوصاية لأنفسهم، فتنازلت عنها إليهم دونيا برنجيلا بشروط تعهدوا باحترامها، أهمها ألا يعلنوا الحرب على أي ملك، أو يتنازلوا عن الأراضي للأتباع، أو يفرضوا أية ضرائب، دون موافقة الملكة (برنجيلا). وسارت الأمور في قشتالة على هذا النحو حيناً، حتى توفي الملك الصبي هنري بعد ذلك بقليل من جرح أصابه خلال اللعب مع بعض الصبية الآخرين، وذلك في يونيه سنة ١٢١٧. فعندئذ بادرت الملكة برنجيلا باستقدام ولدها فرناندو وهو الذي رزقت به من ألفونسو ملك ليون، وكان صبياً في الثانية عشرة من عمره، واستدعاء صحبها المخلصين، وسارت إلى بلد الوليد، وهنالك أعلنت نفسها ملكة لقشتالة، بيد أنها تنازلت في الحال عن العرش لولدها


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>