للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رياستهم، حتى استنفرهم الخليفة يعقوب المنصور للجهاد معه بالأندلس، فاشتركت معه منهم جماعة كبيرة في موقعة الأرك، وأبلوا فيها البلاء الحسن (٥٩١ هـ - ١١٩٥ م)، وأصيب عميدهم محيو في المعركة بجرح توفي منه بعد بضعة أشهر، فخلفه في الرياسة أكبر أولاده أبو محمد عبد الحق، وكان من خيرة أمرائهم، وعلى يديه أخذ نجم بني مرين يبزغ في الأفق (١).

ولما وقعت كارثة العقاب، وفنى معظم الجيوش الموحدية، في شبه الجزيرة الأندلسية، أخذت بوادر التفكك والضعف تبدو على سلطان الموحدين، في معظم العمالات والأطراف. ولم يكن ذلك بخاف على القبائل المتوثبة مثل بني مرين. ولما توفي الخليفة الناصر، وخلفه ولده الصبي يوسف المستنصر، وشغلته نزوات الحداثة والشباب، عن تدبير شئون الدولة، وغلب التواكل والتراخى، على السادة والأشياخ، في مختلف النواحي، لاح لبني مرين أن فرصتهم قد سنحت. وكانوا لا يأوون إلا إلى القفار، ولا يخضعون لأى حكم، ولا يؤدون الجزية لأحد، ولا يعرفون الحرث والزرع، ولا شاغل لهم غير الصيد والغارات، وجل أموالهم من الإبل والخيل (٢). وكانت منازلهم ما تزال في جنوبي وادي ملوية، وكانوا يترددون في تلك الأنحاء، ولاسيما في المنطقة الممتدة ما بين وادي ملوية ومكناسة، ويأنسون بمن بها من عسائر زناتة، وينتجعون المرعى أيام الربيع والصيف، ويجمعون الحبوب لأقواتهم طيلة الشتاء، ثم يرتدون إلى منازلهم في القفر فوق التلال والربى. فلما شهدوا من تضعضع الدولة الموحدية، وتخاذل أطرافها ما شهدوا، أعتزموا أن يهجروا القفر، وأن ينتجوا العمران، فنفذوا إلى نواحي المغرب المجاورة، واكتسحوا بخيلهم البسائط، وملأوا أيديهم بالغارة والنهب، وكان ذلك بداية عهد الخليفة المستنصر. فثار لذلك بلاط مركش، وأمر المستنصر بتجهيز الحشود، وندب أبا علي بن وانودين للقيادة، وبعثه إلى السيد إبراهيم إسماعيل والي فاس، وأمر بأن يخرج السيد لغزو بني مرين، وأن يثخن فيهم وأن يستأصل شأفتهم، وكان بنو مرين حينما علموا بأمر هذه الأهبة قد اجتمعوا وتشاوروا، واتفق رأيهم على التأهب للحرب والنزال، فتركوا أموالهم وحريمهم في حصن تاروطا بأرض غمارة، وساروا جنوبا صوب فاس،


(١) ابن خلدون في العبر ج ٧ ص ١٦٧.
(٢) الذخيرة السنية ص ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>