للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البربرية وجموع العرب على مختلف الأنحاء (١). كل ذلك والحكومة الموحدية جامدة لا تفكر في اتخاذ أي إجراء لإصلاح الأحوال. فلما اشتدت المجاعة وعلم المستنصر بما يقاسيه الناس من أهوالها، أمر بفتح المخازن السلطانية، المعدة لاختزان الحبوب والمؤن، ففتحت وفرقت منها مقادير عظيمة على العامة والضعفاء دون ثمن، وفرق منها على الأقوياء والميسورين بالثمن، وفرق الخليفة كذلك مبالغ كبيرة من المال على الناس، فكان لذلك أثر طيب في تخفيف الضيق. ومن الغريب أنه طافت بالأندلس في العام التالي سنة ٦١٧ هـ، مثل هذه الشدة، فقلت الأقوات، وارتفعت الأسعار، ولكن الأزمة لم تطل، وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي (٢).

وفي هذا العام، سنة ٦١٧ هـ (١٢١٩ م)، وجه الخليفة المستنصر بالله كتابا إلى قواعد المغرب والأندلس، على نمط الكتب التي كان يوجهها الخلفاء الموحدون، منذ عبد المؤمن، إلى الولاة والأعيان والكافة، في مختلف المناسبات، بوجوب التمسك بالدين، واتباع أحكام الشرع، والتزام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وما إلى ذلك من النصائح والوصايا، وربما كان لذلك أيضاً علاقة باختلال الأحوال، ومحاولة تطمين الرعايا، وإلقاء السكينة في روعهم. وقد نقل إلينا ابن عذارى فصلا من ذلك الكتاب، ونحن ننقل بعض فقراته فيما يلي:

" وإلى هذا، وصل الله توفيقكم، فقد علمتم أن الدين هو الأساس الوثيق، والبناء العتيق، والفسطاط المضروب، والعلم المنصوب، والتجر الذي لا يبور، والطريق الذي لا يجور، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن تحصن به، فقد تحصن بالمعقل الأحصن الأرقى، فإذا وقفتم على كتابنا هذا، فجددوا للناس به الذكرى، وعرفوهم أن الدنيا مطية على الدار الأخرى، وحضوهم على العمل الصالح، والتجر الرابح، عسى أن يجعلهم الله تعالى في الدارين، من الذين لهم البشرى، وبثوا في جهاتكم كلها، الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. واستحفظوا الكافة صلواتهم، فإنها الكتاب الموقوف على المؤمنين، وخذوهم باعتياد المساجد، فإنها الشاهد الأزكى بشهادة خاتم النبيين، وسيد المرسلين، واطلبوهم بقراءة الحزب والتوحيد بالمساجد والأسواق،


(١) الذخيرة السنية ص ٣٥.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>