للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الإتحاف ما يبغلكم على يديه، الذي هو عنوان المخالصة، وثمرة المواصلة، وكل ما يكون من هذا بيننا وبينكم، ينبغى أن يكون متقبلا، وعلى أحسن المتأولات متأولا، إن شاء الله، وأنتم بحول الله تقفون عند حدود السلم، وتحافظون عليها، وتعاقبون كل من هم بإذاية المسلمين، فإن الوفاء شعار الملوك، وعليهم فيه يجب السلوك. وكتب في سادس رمضان سنة ثمان عشرة وستمائة " (١).

وكان من تصرفات المستنصر الأخيرة، أن عين عمه أبا محمد عبد الله ابن يعقوب المنصور والي غرناطة، وهو الذي تسمى بالعادل فيما بعد، والياً على مرسية، وذلك في سنة ٦١٩ هـ (١٢٢١ م).

ولم يك ثمة ما يؤذن بوفاة الخليفة المستنصر في سن مبكرة، وقد كان فتى في عنفوانه، لم يجاوز الرابعة والعشرين من عمره، وكان متين البنية، حسن التكوين. ولكن حياة اللهو الصاخب المستمر، التي انهمك فيها، حطمت بنيته، ومهدت الألعاب والرياضات العنيفة، التي كان يشغف بها لوفاته الفجائية. ويقص علينا صاحب روض القرطاس قصة هذه الوفاة الفجائية، فيقول لنا إن يوسف المستنصر، كان مولعاً بالبقر والخيل، وكان يستجلب الأبقار من الأندلس، ويربيها في رياضه الكبيرة بمدينة مراكش، ففي عشية ذات يوم، ركب المستنصر فنشيا (مهرا)، وذهب إلى الروض ليتأمل خيله وأبقاره في ضوء القمر، فبينما هو يسير بين البقر، إذ قصدت إليه بقرة شرود منهن، فضربته بقرنيها بعنف، ضربة أصابته في القلب، وأودت بحياته على الأثر. وكان ذلك في مساء يوم السبت الثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة ٦٢٠ هـ (٤ يناير ١٢٢٤ م) (٢). ولكن هذه الرواية، التي ينقلها بعض المؤرخين المتأخرين، ليست هي الوحيدة في شرح ظروف وفاة الخليفة المستنصر الفجائية، فإن هناك رواية أخرى، مفادها أن المستنصر توفي مسموماً، بتدبير وزيره أبي سعيد بن جامع والفتى مسرور، وهذا، نقله إلينا الزركشي عن " ترجمان العبر " (٣).

والآن فلنلق نظرة عابرة على هذه الأعوام العشرة، التي شغلتها خلافة المستنصر، وعلى شخصية هذا الخليفة الفتي، وهي شخصية لم تتميز بشيء من الخلال العظيمة، والأعمال البارزة.


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٤٦.
(٢) روض القرطاس ص ١٦١.
(٣) الزركشي في تاريخ الدولتين ص ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>