للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن سائر التواريخ المعاصرة والقريبة من العصر، تحدثنا عما كان عليه محمد الخليفة المستنصر، من التعطل والركود، وعما كان عليه المغرب يومئذ، من اختلال الأحوال، واضطراب السكينة والأمن، وذيوع التوجس والقلق، وضعف الموارد العامة والخاصة، وانتشار الضيق والفقر، وفتور همم أولى الأمر، ونكولهم عن القيام بأية إجراءات ناجعة، لتنظيم شئون الدولة، أو معالجة الأحوال العامة، أو معاونة الشعب على اجتياز أزماته الاقتصادية والاجتماعية.

ولم يكن ثمة شك في أن هذه كلها، كانت علامات مزعجة، تؤذن بدبيب الوهن والانحلال إلى الدولة الموحدية العظيمة، وبانحدارها إلى المصير، الذي لابد أن تنحدر إليه دولة يصيبها مثلما أصاب الدولة، في عهد المستنصر بالله.

وإنا لنقرأ في وصف المؤرخين لشخصية المستنصر، وفي تعيلقاتهم على عصره، تلك الصور المروعة، لدولة تنحدر بسرعة إلى هاوية السقوط.

فمثلا يقول لنا ابن عذارى: " ولم تكن للمستنصر بالله حركة ولا غزوة، ولا خرج من حضرته إلى مدينة تينملل، على العادة في التبرك بالمهدي. فما وقفت له على خبر أذكره إلا ما رأيت في بعض الرسائل، والله يؤتى ملكه من يشاء " (١).

ويقول صاحب روض القرطاس: " ولم يخرج من حضرة مراكش طول خلافته إلى أن توفي، وكانت أوامره لا تتمثل، أكثرها لضعفه وليانه، وإذامته على الخلافة، وركونه إلى اللذات. وتفويضه أمور مملكته، ومهمات أموره، إلى السفلة " (٢).

ويقول ابن خلدون: " وقام بأمر الموحدين من بعده (أي بعد الناصر) ابنه يوسف المستنصر، فنصبه الموحدون غلاماً لم يبلغ الحلم، وشغلته أحوال الصبا وجنونه، عن القيام بالسياسة وتدبير الملك، فأضاع الحزم، وأغفل الأمور، وتواكل الموحدون بما أرخى لهم من طيل الدالة عليه، ونفس عن مخنقهم، من قبضة الاستبداد والقهر، فضاعت الثغور، وضعفت الحامية، وتهاونوا بأمرهم وفشلت ريحهم " (٣).

على أن أبلغ ما وقفنا عليه من هذه التعليقات يتمثل في تلك الفقرة التي يوردها ابن عبد الملك المراكشي، في ترجمة أبي الحسن بن القطان، تعليقاً على اختلال


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٧.
(٢) روض القرطاس ص ١٦١.
(٣) ابن خلدون ج ٧ ص ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>