للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحوال في المغرب وقطع السبل، ووقوع النهب على التجار وغير ذلك:

" واستمرت الأمور على هذه الحال، وهذه السبيل زمانا، والمستنصر في غفلة عن كل ما يجرى، غير سايل عن رعيته التي يسئل عنها، وإن بدر منه سؤال عن أحوال الناس والبلاد، أجاب الوزير أبو سعيد، أن الجميع في سبوغ نعمة، وشمول عافية، واتساع أحوال، وبسط أموال، فيقنعه ذلك، ويعود إلى انهماكه في لذاته. وأهمل مع ذلك جانب الأجناد الذين هم آلة الملك وأعوانه، فأرجل فرسانهم، وصرفت رجّالتهم، فتفاقم الأمر، واستشرى شرى المفسدين وكثر أضرارهم، وعم عدوانهم. ولما تمادى ظهور الفساد، واشتدت شوكة أهله، آجرى أبو الحسن (المترجم) ذكر ذلك بمجلس الوزير أبي سعيد، وأشار عليه بإنفاذ جيش إلى بعض نواحي مراكش لردع من نجم من أهل البغي، فأجابه بأن ذلك لا يحتاج إليه، وأنه سيكتب إلى أهل تلك الناحية، بالنفوذ إلى من تعرض إلى أرضهم ومرافقهم، والقبض عليهم وقتلهم، ونحو هذا " (١).

في تلك الفقرة، التي يقدمها إلينا مؤرخ عاش فيها قريباً من العصر، تبدو أصدق صورة للمستنصر وأحوال عصره، وهي صورة تنطق بنفسها، عما يمكن أن يترتب على مثلها بالنسبة للدولة التي تجوزها من النتائج الخطيرة.

على أنه توجد لدينا في نفس الوقت بعض نصوص تقدم إلينا المستنصر، هذا الفتى المتعطل المستهتر، في صورة أخرى، هي صورة الطاغية القوي المستبد، الذي يستأثر بالأمور، وإليك ما يقوله لنا في ذلك مؤرخ موحدى معاصر وشاهد عيان، هو عبد الواحد المراكشي، وقد عرف المستنصر شخصياً واتصل به. يقول عبد الواحد خلال حديثه عن المستنصر: " ولم يغير أبو يعقوب هذا على الناس شيئاً من سير آبائه، ولا أحدث أمراً يتميز به عمن كان قبله، خلا أني رأيت كلّ من يعرفه من خواص الدولة، قد مُلىء قلبه رعباً لما يعلمون من شهامته وشدة تيقظه. لقيته وجلست بين يديه خالياً به، وذلك في غرة سنة ٦١١، فرأيت من حدة نفسه، وتيقظ قلبه، وسؤاله عن جزئيات لا يعرفها أكثر السوق، فكيف الملوك، ما قضيت منه العجب، وإلى وقتنا هذا لم يظهر منه شىء مما يتوقع " (٢).


(١) كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي (السفر الخامس من مخطوط المتحف البريطاني لوحة ١٩) في ترجمة علي بن محمد بن عبد الملك بن سماحة الحميرى الكتامى، أبي الحسن بن القطان.
(٢) المعجب ص ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>