للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأندلس مرة أخرى، واستدعى البياسى إلى حصن أندوجر، وطلب إليه أن يسلم إليه طائفة من الحصون التي يرغب الاستيلاء عليها في منطقة قرطبة، فوعد البياسى بأن يسلمه حصون شلبطَرّة، وقبالة، وبرج الحمة (١)، وارتضى أن يسلمه قصبة بياسة كفالة بتنفيذ وعده، واحتل استاذ فرسان قلعة رباح ورجاله بالفعل قصر بياسة، وبقى المسلمون على حالهم بالمدينة. ثم بذل البياسى جهده في تسليم حصن شلبطرة، وندب لذلك رسولا من قبله استطاع بعد مشقة أن يقنع حاميته بتسليمه للنصارى، وكذلك سلم النصارى حصن برج الحمة، ولم يبق عليه إلا أن يسلمهم حصن قبالة، الذي امتنع عليه (٢).

ولم يقنع البياسى بما تم من توطد مركزه، واستقراره بعاصمة الخلافة القديمة، وسيطرته على معظم نواحي الأندلس الوسطى، ولكنه أراد أن يستولي على إشبيلية ذاتها، وأن يقضى نهائياً على سلطان منافسه العادل وأخيه أبي العلاء، فسار في قواته مرة أخرى صوب إشبيلية، وحاول أن يضرب حولها الحصار. وكان أبو العلاء قد استعد للقائه فخرج إليه في حشود الموحدين وأهل المدينة، ونشبت بين الفريقين معركة عنيفة هزم فيها البياسى، ومزقت جموعه، وارتد في فلوله صوب قرطبة. ويضع ابن عذارى تاريخ هذه الموقعة، في الخامس والعشرين من شهر صفر سنة ٦٢٣ هـ، وهو يوافق التاريخ الذي تضعه الرواية النصرانية للموقعة، وهو ٢٥ فبراير سنة ١٢٢٦ م (٣).

وكان لهذا النصر الحاسم الذي أحرزته القوات الموحدية على البياسى، نتائج هامة، فقد ارتدت طلياطة وحصن القصر، وبقية الحصون والبلاد الممتدة شرقي إشبيلية عن طاعة البياسى، وعادت إلى طاعة الخليفة العادل (٤) وكتب السيد أبو العلاء إلى أخيه العادل بمراكش، كتاباً ينبئه فيه بهذا النصر، ومما جاء في الكتاب المذكور:

" إن المحنة بهذا البائس قد بلغت مداها، وانقبضت بعد البسط يداها،


(١) وهي بالإسبانية على التوالى Salvatierra و Banos de la Encina, Capilla، وتقع الأخيرة شمالي اندوجر.
(٢) الروض المعطار ص ٥٨، وكذلك: J. Gonzalez: ibid ; p. ٤٦ & ٤٧
(٣) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٥٠، وكذلك: J. Gonzalez: ibid ; p. ٤٨
(٤) البيان المغرب ص ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>