للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانتهى إلى غاية لا يتعداها، والحمد لله الذي أذل للخلافة العادلية، أحد عداتها وأنصفها من منازعها بأداتها، فكافر النعم تستحيل عليه نقماً، وحاجب الشمس ضوءها، حافظاً بين ظلام وعماء، والموحدون عازمون على اتباع هذا العدو، إلى أن يدعوه عقيراً، أو يستثبتوه أسيراً إن شاء الله تعالى، وكتب في ربيع الأول من عام ثلاثة وعشرين وستمائة ".

وهنا خرج فرناندو الثالث في قواته مرة أخرى، وكان هدفه في هذه المرة الاستيلاء على حصن قبالة (١)، وهو من حصون الحدود الواقعة في شمالي قرطبة، وشمالى جبل الشارات، وكان قد تعذر على البياسى، أن يقوم بتسليمه وفقاً لتعهداته، وكان البياسى قد وصل في تلك الأثناء إلى قرطبة منهزما مدحوراً، وكان أهل قرطبة لما رأوا إفراطه في محالفة النصارى، وإسرافه في تسليم الحصون الإسلامية إليهم، قد خشوا أن ينتهي الأمر بأن يغدر بهم، ويسلم قرطبة ذاتها للنصارى، فاعتزموا الفتك به والتخلص منه، فثاروا به، وشعر البياسى بخطورة الأمر، ففر من المدينة، والتجأ إلى حصن المدوّر الواقع جنوبي النهر على مقربة من جنوب غربي قرطبة، ولكن الثوار طاردوه بشدة، وحاصروه في الحصن، ثم اقتحموه، وقتلوا البياسي، واحتزوا رأسه، وبعثوا بها إلى السيد أبي العلى بإشبيلية، فأرسلها بدوره مع كتاب إلى أخيه العادل بمراكش، فرد العادل بكتاب يتضمن تعيين أخيه أبي العلى واليا لقرطبة بالإضافة إلى إشبيلية (٢)، وكان البياسي عند مصرعه شيخاً قد جاوز الستين.

وهكذا تحطمت ثورة أبي محمد عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المؤمن، المسمى بالبياسى، بعد أن لبثت ثلاثة أعوام تبث الاضطراب والدمار إلى أواسط الأندلس، وتمهد للنصارى اقتطاع القواعد والحصون الواقعة في شرقي قرطبة وفي شمالها، وقد اقتطعوا منها بالفعل طائفة كبيرة، كان ضياعها سبباً في إضعاف خطوط الدفاع عن قرطبة، والتمهيد لسقوطها. وتقدم إلينا الرواية الإسلامية، البياسى، في صور بغيضة قاتمة (٣). ونستطيع أن نعتبر البياسى بالفعل على ضوء ما تقدم، من أعماله وخياناته المتوالية لقضية


(١) وبالإسبانية Capilla.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٥٢، والروض المعطار ص ٥٩.
(٣) راجع الروض المعطار ص ٥٨ و ٦١، والبيان المغرب ص ٢٤٩ و ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>