للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام، وقضية الأندلس، تحقيقاً لأطماعه الوضيعة، شخصية بغيضة مثيرة، تستحق أن يدمغها التاريخ بأقسى الأحكام، ويرميه ابن عذارى بالارتداد عن الإسلام، واعتناق النصرانية، بيد أننا لم نجد في الروايات النصرانية ما يؤيد هذا الاتهام، ولو وقع لكانت الرواية النصرانية أول من يسجله ويشيد به.

- ٤ -

وكان فرناندو الثالث حينما وصلته أنباء هذه الحوادث أمام حصن قبالة المنيع، وقد ضرب حوله الحصار (أوائل يونيه سنة ١٢٢٦) وأخذ يهاجمه باستمرار، وحاميته الإسلامية صامدة، بيد أنه لما طال الحصار، واشتدت هجمات النصارى، اضطر المسلمون إلى مفاوضة ملك قشتالة، وعرضوا أن يقدموا رهائنهم بالتسليم، وأن يبعثوا رسلهم إلى السيد أبي العلاء، وكان عندئذ بقرطبة، يطلبون إليه الإنجاد، فإذا لم تصل إليهم النجدة خلال ثمانية أيام، سلموا الحصن بالأمان، فقبل فرناندو هذا العرض. ولم تمض أيام قلائل حتى عاد الرسل من قرطبة خائبين، فسلم المسلمون الحصن، وسمح لهم وفقاً للاتفاق، أن يخرجوا بنسائهم وأولادهم وأموالهم، وأن يسيروا محروسين حتى حصن " غافق " الواقع جنوب قبالة، وهو أقرب الحصون الإسلامية إليهم، ودخل فرناندو الحصن وفي الحال حول مسجده إلى كنيسة، ووضع به حامية نصرانية، وكان تسليم حصن قبالة في أوائل أغسطس سنة ١٢٢٦ م (أواخر سنة ٦٢٣ هـ).

وجاء بعدئذ دور بيّاسة، وكان من الواضح، بعد مصرع البياسى، أن مصير بياسة غدا في كفة القدر، وأن ملك قشتالة كان يتطلع إلى أخذها باعتبارها من أملاك تابعه. وكان فرسان قلعة رباح قد احتلوا قصبة بياسة كما قدمنا كفالة بتنفيذ البياسى لتعهداته، فلما قتل البياسى، أراد أهل بياسة أن يخرجوا النصارى من قصبتهم، فبعثوا إلى صاحب جيّان عمر بن عيسى بن أبي حفص بن يحيى، يستنجدون به، فقدم عليهم في بعض قواته، ومعه القائد محمد بن يوسف المسكدالى، ودخل المدينة، وكان بها سوى من بالقصبة، طائفة كبيرة من النصارى، فقتلوا جميعاً مدافعين عن أنفسهم، ولكن صمد من كان منهم بالقصبة لحصانتها، فطلب أهل بياسة إلى الوالي الموحدي، أن يبقى يوماً أو يومين لحصار النصارى بالقصبة لإرغامهم على التسليم، لأنهم كانوا يتلقون مؤنهم من أهل المدينة يوماً بعد يوم، فأبى وأصر على الخروج من فوره، وذلك خوفاً من قدوم القشتاليين

<<  <  ج: ص:  >  >>