للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأحداث في عهده بالمغرب، وهو عهد لم يطل إلا نحو عامين، إلا ما كان من تفاقم الأحوال، واضطراب حبل الأمن، وازدياد الفوضى، وتوالى عيث العرب، وبعض القبائل البربرية، ولاسيما هسكورة، في الأنحاء القريبة من العاصمة وازدياد شأن بني مَرِين، وتغلبهم على كثير من النواحي والقبائل، وفرض المغارم عليها، بل وفرضهم الإتاوات على بعض المدن القريبة من منازلهم، مثل فاس وتازى ومكناسة، وذلك لكي يكفوا الغارة عنهم (١).

وكان أهم ما حدث في تلك الفترة القصيرة، قيام عرب الخُلط، وشيخهم هلال بن مقدم، وهسكورة، وشيخها عمر بن وقاريط، بالعيث في نواحي مراكش، وتخريبهم بلاد دُكالة. وخرج إليهم في البداية ابن يوجان فلم يستطيع شيئاً، فوجه إليهم العادل عسكراً من الموحدين بقيادة إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حفص، فهزم وقتل، واستمرت أعمال العدوان والعيث على حالها (٢).

وبينما المغرب يجوز في ظل العادل، هذه الفترة المدلهمة، إذ وقع بالأندلس حدث جديد ضخم، هو خروج السيد أبي العلى والي إشبيلية وقرطبة على أخيه العادل، وخلع طاعته، وإعلانه الدعوة لنفسه، ومبايعته بالخلافة في إشبيلية، وذلك في الثاني من شهر شوال سنة ٦٢٤ هـ (١٥ سبتمبر سنة ١٢٢٧ م). ولم يتخذ السيد أبو العلى قراره ارتجالا، بل مهد إليه بالسعى والاتصالات، وكان معه بإشبيلية عدة من وجوه الموحدين وأشياخهم، الذين يعتد برأيهم، فأراد أن يسبر غورهم أولا، فاتفق مع قاضي المدينة، أبي الوليد بن أبي الأصبغ ابن الحجاج، وكان ذلك في أواخر شهر رمضان، أن ينشىء خطبة بليغة يلقيها في يوم الفطر، وأن يتعرض فيها لمسألة الخلافة، وأن يشير بلباقة إلى ما يجول بخاطره من القيام بالأمر، فألقى القاضي خطبته حسبما اتفق، وأطنب في ذكر السيد واستحقاقه للأمر، وفي اليوم التالي، اجتمع أشياخ الموحدين بمجلس السيد أبي العلى، وقام الجميع بمبايعته، واتخذ لقب المأمون، وبايعه على أثر ذلك بعض ولاة الأندلس، وفي مقدمتهم السيد أبو زيد والي بلنسية، وبعثوا ببيعاتهم إليه. وكذلك بايعته من أنحاء العدوة سبتة وطنجة (٣).


(١) روض القرطاس ص ١٦٦، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧٠.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٢.
(٣) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٥٥، وروض القرطاس ١٦٦.،،،،،،

<<  <  ج: ص:  >  >>