للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسير الحرُّ بن عبد الرحمن الثقفي والي الأندلس في سنة ٩٨ هـ (٧١٨ م) جيشاً الى الشمال لإخضاع النصارى، فاجتاح المسلمون بلاد البشكنس وهضاب أشتوريش، وأوفدوا حليفهم الأسقف أوباس وهو أخو الملك وتيزا إلى بلايو ليقنعه بالتسليم وعبث المقاومة، فأبى بلايو ولجأ إلى كهوفه المنيعة في صخرة كوفادنجا، ونفذ المسلمون إلى أعماق الجبال وحاولوا عبثا أن يستولوا على مراكز العدو، وحالت بينهم وبينه الوديان السحيقة والآكام الرفيعة، وحوصر بلايو وأصحابه في " الصخرة " مدى حين، وقطعت عنهم المؤن، وتساقطوا تباعا من الجوع، حتى لم يبق منهم على قول الرواية سوى ثلاثين رجلا وعشر نساء (١). وتزعم بعض الروايات النصرانية أن بلايو كر على المسلمين، وأنهم هزموا هزيمة شديدة وفقدوا ألوفا كثيرة، ووقع أوباس في أيدي مواطنيه فعاقبوه على خيانته بالموت (٢).

وقد أتيح لنا أن نزور هذه المنطقة الوعرة - منطقة كوفادنجا - وأن نشهد الصخرة المنيعة، التي تقول الرواية إن بلايو وأصحابه امتنعوا في مغارها، والتي تئوى في جانب منها إلى اليوم رفات بلايو. والحق أننا شهدنا من الوادي الذي تشرف عليه الصخرة، والذي يقال إن المسلمين رابطوا فيه لمحاصرة النصارى، أروع منظر يمكن تصوره من الصخور الوعرة، والآكام الرفيعة المدببة، وأدركنا كيف عجز المسلمون عن اقتحام مثل هذا المعقل المنيع.

ولما رأى المسلمون وعورة الهضاب وقسوة الطبيعة، ارتدوا عن جلّيقية محتقرين شأن هذه الشرذمة الممزقة الجائعة. فقويت لذلك نفس بلايو وأصحابه، وانضم إليهم كثير من النصارى في كانتابريا وسهول جليقية، واختاروه ملكا عليهم لما رأوا من بسالته وبراعته وقوة عزمه، وألفى بلايو الفرصة سانحة لتوطيد سلطانه وتوسيع أملاكه، فأخذ يغير على الأراضي الإسلامية الشمالية، وبدا لحكومة الأندلس خطر هذه العصابات الجبلية التي أخذت تنتظم إلى قوة يخشى بأسها. ولكن اضطراب الشئون الداخلية حال مدى حين دون مطاردتها وغزوها.

وفي سنة ١١٢ هـ (٧٣٠ م) في عهد أمير الأندلس الهيثم بن عبيد، بعث حاكم ولاية البرنيه وهو يومئذ الزعيم المسلم الذي تعرفه الرواية النصرانية باسم


(١) أخبار مجموعة ص ٢٨؛ وكذلك Dozy: Hist , II.p. ١٢٩
(٢) Cardonne: ibid , I.p. ١٠٩, Aschbach: ibid;I.p. ١٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>