للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منوسة أو مونس - جيشا إلى جبال أشتوريش لغزو جليقية وسحق أميرها بلايو. ولكن بلايو استطاع أن يصمد للمسلمين كرة أخرى، وأن يهزمهم هزيمة شنيعة. ولما رأى بلايو منعة معقله وقوة عصبته، اخترق بسكونية وهاجم قوات المسلمين في الوقت الذي كانت تتأهب فيه للسير إليه، ومزق بعض وحداتها، ثم ارتد إلى هضابه فاستعصم بها. ولما اضطربت شئون الأندلس بعد مقتل أميرها عبد الرحمن الغافقي وارتداد جيشه في بلاط الشهداء (١١٤هـ - ٧٣٢ م)، وشغل الولاة برد جيوش الفرنج، عن الأراضي الإسلامية في سبتمانيا، كثرت غارات العصابات الجليقية على الأراضي الإسلامية في شمال نهر دويرة (دورو) وفي منطقة أسترقة، وعانى المسلمون في تلك الأنحاء كثيرا من عيث النصارى. ولما تولى عقبة بن الحجاج حكومة الأندلس في سنة ١١٦هـ (٧٣٤ م)، ورأى خطر العصابات الجليقية وشدة عيثها في الأراضي الإسلامية، سار إلى جليقية وغزاها مرة أخرى في سنة ٧٣٥ أو ٧٣٦ م (١١٨هـ) واستولى على بعض مواقعها، ولكن النصارى امتنعوا كعادتهم في الجبال ولم يبلغ عقبة منهم أمراً. ولما اضطرمت الأندلس بالفتن ونشبت الحرب الأهلية، بين مختلف الزعماء والقبائل، ازداد النصارى جرأة وتحرشاً بالمسلمين وعيثاً في أراضيهم، ولم تستطع حكومة قرطبة أن تسعفهم بالعون والمدد لاشتغالها بالشئون الداخلية. وكانت سلطة الحكومة المركزية ضعيفة في تلك الأنحاء النائية، وكان سكانها ومعظمهم من البربر، يكثرون من الخروج والثورة سخطاً على العرب، واستئثارهم بالحكم والسيادة. وكان النصارى من رعايا حكومة قرطبة، يدسون الدسائس ويرتكبون شتى الخيانات، ويشجعون بذلك بلايو وعصبته على الإغارة والعيث في أراضي المسلمين، وكانت الإمارة النصرانية الناشئة تنمو خلال ذلك ويشتد ساعدها، ويهرع النصارى إلى لواء بلايو من مختلف الأنحاء.

ويقول العلامة ألتاميرا: " كان كفاح بلايو وزملائه الأشراف، يرجع إلى الرغبة في استرداد جزء من الأراضي المفقودة، ومن جهة أخرى فإن احترام الفاتحين لدين المغلوبين وعاداتهم، لم يجعل في البداية للمعركة لونا دينيا أو عنصريا، بل كان مدارها من جانب الأشراف ورجال الدين، استرداد الأملاك وشيء من هيبة الملك " (١).


(١) R.Altamira: Historia de Espana, Vol.I.p. ٢٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>