وما كاد أبو العُلى المأمون، يغادر إشبيلية ليعبر البحر إلى العدوة، حتى اجتمع أهل إشبيلية وذلك في اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة ٦٢٦ هـ، وأعلنوا خلع طاعة الدولة الموحدية، والاعتراف بطاعة ابن هود في ظل الخلافة العباسية، وكتب عنهم أبو بكر بن البناء إلى المتوكل ابن هود كتابا بهذا المعنى، فأوفد إليهم ابن هود في الحال أخاه أبا النجاء سالم الملقب عضد الدولة ليكون واليا عليهم. وحذت ماردة وبطليوس حذو إشبيلية، في الإعلان بطاعة ابن هود. وهكذا اتسع نطاق الدعوة الهودية وشملت أواسط الأندلس وغربيها، وأخذت الأندلس كلها، تتطلع إلى لواء هذا الزعيم الأندلسي الجديد، ترجو أن يكون حاميها وقائدها، وجامع كلمتها، وموحد صفوفها.
- ٢ -
وفي نفس الوقت الذي قامت فيه ثورة ابن هود بمرسية، كانت ثمة ثورة أخرى تضطرم في بلنسية، وتجرى فيها أحداث مماثلة. وذلك أن بلنسية كان يحكمها منذ سنة ٦٢٠ هـ، واليها السيد أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد المؤمن، وهو أخو السيد أبو محمد عبد الله البياسى، الذي أتينا على أخباره فيما تقدم. ولما قام ابن هود بمرسية، خرج السيد أبو زيد بقواته لمحاربته، ولكن ابن هود تغلب عليه فارتد منهزماً إلى بلنسية. وسرعان ما ظهر صدى هذه التطورات في بلنسية ذاتها. وذلك أن أهل بلنسية، حينما رأوا تطور الحوادث في مرسية، وهزيمة القوات الموحدية في منطقة الشرق، سرت إليهم روح الانتقاض والثورة، وقديماً كانت بلنسية حصن الثورة ضد الموحدين. وقد لبثت مملكة الشرق أيام الأمير محمد بن سعد بن مردنيش، زهاء ربع قرن تتحدى الدولة الموحدية، وهي في إبان قوتها. والآن فإنا نعود فنشهد صفحة جديدة من ثورة بلنسية، ضد الموحدين، وإن كانت هذه المرة تضطرم في ظروف عصيبة، تواجه فيها بلنسية وقواعد الشرق خطر العدوان الداهم، من جانب عدوها الخالد اسبانيا النصرانية. وكان زعيم الثورة في هذه المرة، أيضاً ينتمى إلى زعمائها السابقين من آل مردنيش. وهو أبو جميل زيّان بن أبي الحملات مدافع بن يوسف بن سعد ابن مردنيش الجذامى، وجده أبو الحجاج يوسف بن سعد بن مردنيش هو كما نذكر، أخو أمير الشرق محمد بن سعد بن مردنيش. وكان الخليفة أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، حينما استسلم إليه آل مردنيش، عقب وفاة عميدهم