للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أول شهر ربيع الأول، ودعا للخليفة المستنصر العباسي، وفي الحال دخلت في طاعته دانية وجنجالة، وعدة من الحصون، وذاع أمره واشتد ساعده. ولكن خرج عليه أبو سلطان عزيز بن يوسف والي جزيرة شقر، ودعا لابن هود، وكذلك فعلت شاطبة وواليها أحد أبناء عمومة زيان، واضطرمت الفتنة بين زيان وابن هود وزحف ابن هود على بلنسية، فخرج زيان للقائه، فكانت عليه الهزيمة، وتبعه ابن هود إلى بلنسية فامتنعت عليه، وشغل ابن هود عندئد، بحوادث ومشاريع أخرى (١). وهكذا عمت الثورة أو الفتنة، شرقي الأندلس، وسرى الاضطراب إلى سائر أنحائه، وفي ذلك يقول شاعر معاصر من أبنائه، هو أبو عبد الله محمد ابن إدريس بن علي المعروف بمرج الكحل:

ولاسيما في فتنة مدلهمة ... فلا أحد فيها أخاه يشمت

وكان قضا صمتنا عنه واجب ... وسلم الأحداث من كان يصمت

ولم يكن يخفى على ذوى النظر البعيد، ما يترتب على تلك الفتنة من عواقب خطيرة، وكان بعضهم يسعى إلى تداركها بجمع الكلمة. وقد وقفنا في ذلك على رسالة، وجهها العلامة الفقيه أبو بكر عزيز بن خطاب، عميد علماء مرسية والمنتزى فيها فيما بعد، إلى الخطيب أبي عبد الله بن قاسم ببلنسية، يشير عليه فيها، أن يحض الرئيس أبا جميل زيان على الدخول في طاعة " أمير المسلمين " ابن هود وذلك قبل أن يتحرك ابن هود لمحاربة زيان في بلنسية. وفيها ينوه بوجوب اتحاد المدن المختلفة التي تدين بدين واحد لمقاومة أعداء الدين، وأن القوة في الاتحاد وهو ما يحض عليه الله والرسول. وأنه يجب على علماء الدين أن يسعوا في ذلك يالنصح، وأن مآل الخلاف انقطاع الرياسة، واستيلاء عدو الدين على البلاد، ثم يطلب إليه أن يهيب بالأمير أبي جميل أن يدخل فيما دخل فيه المسلمون، فذلك مما يكسبه محبة أهل الأندلس، ومحبة المسلمين (٢).

وأما السيد أبو زيد، فقد لبث مذ غادر بلنسية، وامتنع بأهله وأمواله، في


(١) راجع تفاصيل هذه الحوادث في أعمال الأعلام لابن الخطيب ص ١٧٢، والبيان المغرب ص ٢٧٠، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٧، وكذلك: M. Gaspar Remiro: Historia de Murcia
Musulmana (Zaragoza ١٩٠٥) p. ٢٧٥ & ٢٧٦
(٢) وردت هذه الرسالة في كتاب " زواهر الفكر وجواهر الفكر " لمحمد بن علي بن عبد الرحمن المكنى بابن المرابط، وهو مخطوط الإسكوريال، رقم ٥١٨ الغزيرى (ديرنبور رقم ٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>