للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الحصون القريبة، حيناً يرقب سير الحوادث، فلما رأى تطور الموقف على هذا النحو، ورأى سلطان الموحدين ينهار في سائر النواحي، وأن الظروف كلها تدعو إلى اليأس، لم يجد أمامه سبيلا إلا أن يلتجىء إلى النصارى. فغادر مقره في أهله وولده، وقصد إلى ملك أراجون خايمى الأول، مستجيراً به وملتجئاً إلى حمايته. وكان بصحبة السيد أبي زيد كاتبه، وكاتب أبيه من قبل، الفقيه الكاتب الشاعر والمؤرخ المبدع، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعى الشهير بابن الأبار، وقد وصف لنا ابن الأبار موقفه يومئذ، في بيتين من الشعر، بعث بهما إلى بعض أصحابه على أثر مغادرته لبلنسية وهما:

الحمد لله لا أهل ولا ولد ... ولا قرار ولا صبر ولا جلد

كان الزمان لنا سلما إلى أمد ... فعاد حربا لنا لما انقضى الأمد (١).

ويضع ابن الخطيب تاريخ مغادرة السيد أبي زيد بلنسية، ولحاقه بالنصارى في السادس والعشرين من صفر سنة ٦٢٦ هـ، أعني في نفس اليوم الذي دخل فيه الرئيس أبو جميل زيان بلنسية (٢). ولكنا ذكرنا فيما تقدم اعتماداً على ابن الخطيب نفسه أن السيد أبا زيد غادر بلنسية قبل ذلك بمدة وجيزة، والتجأ إلى بعض حصونها القريبة. وتكتفى الرواية الإسلامية بأن تذكر لنا أن السيد أبا زيد لحق بالنصارى، ودخل في دينهم (٣). ولكن لهذا السيد الموحدي، قصة مفصلة متعددة النواحي، تقدم إلينا تفاصيلها، الرواية والوثائق النصرانية المعاصرة، ويجدر بنا أن نلخصها هنا. سار السيد أبو زيد وصحبه إلى قلعة أيوب، حيث كان خايمى الأول، ملك أراجون (٤) يعقد بلاطه يومئذ. وفي اليوم العشرين من شهر أبريل سنة ١٢٢٩ م


(١) وقفنا على هذين البيتين في مخطوط الإسكوريال " زواهر الفكر، وجواهر الفكر " السابق ذكره لوحة ٨٧ أ. وراجع في مصاحبة ابن الأبار لمخدومه، أزهار الرياض (المطبوع) ج ٣ ص ٢٠٥.
(٢) الإحاطة في مخطوط الإسكوريال (٦٧٤ أالغزيرى) لوحة ١٣٨ أ.
(٣) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٧٠، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٧ و ١٦٨، وابن الخطيب في الإحاطة في مخطوط الإسكوريال المشار إليه.
(٤) تسمى الرواية الإسلامية Jaime خايمى: " جاقمة ملك أرغون " (الروض المعطار ص ٤٨)، وأعمال الأعلام ص ٢٧٣) وتسميه أحياناً دون جايمش (أعمال الأعلام ص ٣٣٧). وخايمي هو الرسم الإسباني ليعقوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>