للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الشمال. ولما حل القحط بالأندلس (سنة ١٣٣هـ - ٧٥٠ م) واشتد عصفه بالولايات الشمالية الغربية، جلا كثير من المسلمين عن تلك الأنحاء، واشتد ساعد النصارى فيها، ورفعوا لواء الثورة، وفتكوا بالمسلمين، ونادوا بألفونسو ملكا عليهم (١)، وانتهز ألفونسو الفرصة فغزا أسْتُرقة واستولى عليها من يد المسلمين، واستولى على كثير من البلاد والضياع المجاورة، وضمها لأملاكه (١٣٦هـ - ٧٥٣ م). وهكذا نمت تلك المملكة النصرانية التي نشأت في ظروف كالأساطير واتسعت حدودها، واشتد بأسها بسرعة مدهشة، ولم يأت منتصف القرن الثامن حتى بدأت تناهض الإسلام في الأندلس وتغالبه، وتغير على معاقله وأراضيه.

وعهد ألفونسو بإمارة كانتابريا وهي القسم الشرقي من مملكته، إلى أخيه فرويلا (أو فرويلة)، فكان يغير أيضا على الأراضي الإسلامية المجاورة، ويعيث فيها قتلاً ونهباً وسبياً، ثم يعود مسرعاً إلى الجبال خشية أن يلحق به المسلمون. بيد أن المسلمين كانوا في شغل شاغل من الفتنة والحروب الداخلية، وكان يوسف بن عبد الرحمن الفهري أمير الأندلس يعني يومئذ بقمع الثورة في الشمال، فانتهز ألفونسو تلك الفرصة وغزا مدينة لُك (لوجو) الحصينة وهي أقصى معاقل المسلمين في الشمال الغربي وافتتحها سنة (١٣٧هـ - ٧٥٤ م)، وكان يوسف قد انتهى من إخماد الثورة في الشمال، وأراد إنجاد المدينة المحصورة، فجاءته الأنباء بمقدم عبد الرحمن الأموي، فهرول إلى الجنوب وترك لُك لمصيرها. وكان أيضا قد أرسل قبل أن يغادر الشمال قوة من جنده بقيادة الحصين بن الدجن وسليمان بن شهاب لإنجاد ثغر أربونة، الذي كان يحاصره الفرنج يومئذ، ففاجأها النصارى قبل أن تعبر البرنيه، ونشبت بين الفريقين معركة مزق فيها المسلمون وقتل قائدهم سليمان بن شهاب، وارتد فلهم إلى الجنوب (سنة ٧٥٦ م) (٢).

والظاهر أن الذي هاجم المسلمين في تلك الموقعة هو فرويلا وحلفاؤه أو رعاياه البشكنس. وعبر ألفونسو نهر دويرة (دورو) غير مرة، وعاث في أراضي المسلمين مراراً، وكان يقتل كل من وقع في يده من المسلمين، ويسوق النصارى معه إلى الشمال. ولبث مع أخيه فرويلا كلٌّ يعمل من جانبه على توسيع المملكة


(١) أخبار مجموعة ص ٦١ و٦٢.
(٢) راجع ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٥٨؛ وكذلك Aschbach: I.ibid ; I.p. ١٥٥ والهوامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>