للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاتها، أو في أراضيها، واستبقى لنفسه ولأهله ما سوى ذلك من الحقوق (١).

وفي خلال ذلك سقط السيد أبو زيد سقطته المؤسية. ذلك أنه لم يكتف بهذا الانضواء المطلق تحت نير الملك النصراني، ولكنه هوى إلى الدرك الأسفل، فاعتنق دين النصرانية، وهو سليل بني عبد المؤمن أئمة التوحيد وأقطابه، ونبذ اسمه المسلم، واختار اسما نصرانياً هو بثنتى Vicente أو بالعربية " بجنت " وتزوج فيما بعد من سيدة نصرانية من أهل سرقسطة، وكان يسمى في الوثائق النصرانية " بثنتى "، ملك بلنسية وحفيد أمير المؤمنين "، ولم تقدم إلينا الرواية النصرانية تاريخ تنصر السيد أبي زيد، ولكنها تقدم إلينا ما يفيد أنه كان يضمر هذه النية منذ عهد بعيد، أعني منذ أيام أن كان في بلنسية والياً عليها، وتقول لنا إن السيد طرد من بلنسية، لما علم من أنه يبعث رسله السريين إلى البابا وإلى ملك أراجون، يعرض اعتناقه للنصرانية، ولما كان يبدو من إمارات استحسانه لهذا الدين (٢).

وتجمع الرواية الإسلامية على صحة ارتداد هذا السيد الموحدي عن دين الإسلام، وتعرب عن أسفها وسخطها لانحداره إلى هذا الدرك المؤسى (٣). ومن جهة أخرى فإنه مما لا شك فيه أن كاتبه ابن الأبار، الذي صحبه في رحلته إلى بلاط ملك أراجون، قد تركه لمصيره غير بعيد، لما رأى من استسلامه للنصارى، ونيته في اعتناق دينهم، وعاد إلى بلنسية، والتحق بخدمة أميرها الجديد أبو جميل زيان (٤). وسوف يكون ابن الأبار منذ الآن من أبرز شهود المأساة التي اقترنت بمصير بلنسية، وسوف يأخذ قلمه في تدوين محنتها بأوفى نصيب.

- ٣ -

في تلك الآونة التي أخذت فيها نيران الفتنة، تندلع إلى ربوع الأندلس، ويسرى دبيب التفكك إلى هيكلها المتداعى، كانت اسبانيا النصرانية تتطلع في ثقة وأمل إلى اجتناء التراث المنهار، وانتزاع الأشلاء المتساقطة، وكان كل شىء يمهد إلى تحقيق هذا الأمل، فإن حركة الاسترداد Reconquista، لم تحظ


(١) Andres Piles Ibars: Valencia Arabe (Valencia ١٩٠١) . p. ٦٢٢, ٦٢٥ ٦٢٦ & ٦٢٩
(٢) A. P. Ibars: ibid ; p. ٦١٧, ٦١٨ & ٦٢٢, cit. Zurita, Nota
(٣) يراجع بالأخص ابن عذارى في البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٧٠، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٧، و ١٦٨.
(٤) أزهار الرياض ج ٣ ص ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>