من قبل قط، بما كانت تحظى به يومئذ من سهولة الانقضاض، وانهيار الجبهة الدفاعية الخصيمة، بانهيار القوي العسكرية الموحدية في شبه الجزيرة، وانشغال البلاط الموحدي بالمغرب، بخلافاته وحروبه الأهلية. وكانت قوي الأندلس ومواردها الخاصة، قد تضاءلت تحت ضغط الحكم الموحدي المرهق، واستئثار الموحدين بشئون الدفاع، ثم أخذت على ضعفها وضآلتها، تنتثر هنا وهنالك، وبين أولئك المتغلبين، أولئك " الطوائف " الجدد، وكان ملوك اسبانيا الثلاثة، خايمى الأول ملك أراجون، وفرناندو الثالث ملك قشتالة، وألفونسو التاسع ملك ليون، يسيطر كل منهم، على مصاير منطقة من شبه الجزيرة، فملك أراجون يسيطر على مصايرها من ناحية الشرق، وملك قشتالة يسيطر على مصايرها من ناحية الوسط، وملك ليون يسيطر على مصايرها من ناحية الغرب، وكل منهم يرقب الفرص المواتية للانقضاض على الفريسة، على تلك الأندلس، التي مزقتها الفتنة، وفقدت وسائل الدفاع الحقيقية، وأضحت معظم قواعدها تحت رحمة العدو القوي المتحفز.
ووقعت الضربات الأولى في الغرب، من جانب ملك ليون، وهو أقل الملوك الثلاثة شأناً، ثم تلتها في الحال ضربات قشتالة وأراجون القوية، ووجهت قشتالة اهتمامها إلى القواعد الأندلسية الوسطى، واتجهت أراجون أولا إلى افتتاح الجزائر الشرقية، لكي تتفرغ بعد ذلك إلى انتزاع القواعد الشرقية، وفي مقدمتها ثغر بلنسية العظيم.
وكان ملك ليون، ألفونسو التاسع (وهو والد فرناندو الثالث)، منذ استولى على مدينة قاصرش المنيعة في سنة ٦٢٢ هـ (١٢٢٧ م) حسبما تقدم ذكره، يرقب الفرصة لإنزال ضربته التالية، في منطقة الغرب الأندلسية. وكانت ماردة، وبطليوس، وهما جنوبي قاصرش هما أقرب القواعد الأندلسية العظيمة إلى حدود ليون. فلما عمت الفتنة أرجاء الأندلس، ولاح لملك ليون، أن منطقة الغرب أضحت دون مدافع، وأن قيام ابن هود في شرقي الأندلس، لا يمكن أن يحول دون مشاريعه، خرج من ليون في قواته، وذلك في أواخر سنة ١٢٢٩ م (أوائل سنة ٦٢٧ هـ)، وسار جنوبا في اتجاه نهر وادي يانه، واستولى أولا على حصن منتانجش (١). الواقع على مقربة من شمال ماردة، ثم سار إلى ماردة،