للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حل ينسف الزروع، ويخرب القرى، ويسبى الذرية، واستمر في سيره نحو الجنوب حتى فحص غرناطة، ثم عاد إلى الشمال ثانية. والظاهر أن هذه الغارة الأولى كانت عملا استكشافياً، لمعرفة ما قد يلقى الغزاة من مقاومة. ولما اخترق ابن هود عندئذ بقواته تلك المنطقة في طريقه إلى الغرب، ظن القشتاليون أنه قدم لمحاربتهم، ولكن ابن هود كان يقصد إلى إنجاد ماردة، وألفى ملك قشتالة نفسه حراًّ في خططه وتحركاته، وعندئذ اتجه فرناندو الثالث بقواته صوب مدينة جيّان الحصينة، وهي أكبر قواعد تلك المنطقة، وضرب حولها الحصار، وذلك في أواخر يونيه سنة ١٢٣٠ م، وقذفها بالمجانيق بشدة، وحاول القشتاليون، اقتحامها بكل الوسائل، ولكن المدينة لبثت صامدة كالصخرة، أولا لمنعتها الفائقة، وثانياً لوفرة المدافعين عنها، وبعد حصار دام ثلاثة أشهر اضطر فرناندو أن يترك جيّان، وأن يعود أدراجه. وما كاد يصل إلى قشتالة حتى علم بوفاة أبيه ألفونسو التاسع ملك ليون، عقب عودته من افتتاح ماردة وبطليوس، فاتجه مسرعاً إلى ليون ليجلس على عرشها مكان أبيه، وبذا اتحدت قشتالة، وليون مرة أخرى (١).

وهكذا نجت القاعدة الإسلامية - جيان - من السقوط إلى حين. ولكن ملك قشتالة، عاد فبعث في العام التالي حملة غازية إلى الأندلس، بقيادة أخيه الإنفانت ألفونسو، فسارت من أندوجر، وعاثت في أنحاء قرطبة، واستمرت في سيرها غرباً حتى أحواز إشبيلية، ثم ارتدت بعد ذلك إلى شريش، وهي تعيث أينما حلت قتلا وتخريباً. وهنا تحرك ابن هود مرة أخرى ليرد الغزاة، فسار في قوات كثيفة، والتقى بالقشتاليين في فحص شريش، ولكنه هزم مرة أخرى، بالرغم من تفوقه في العدد، وذلك في أواخر سنة ٦٣٠ هـ (١٢٣٣ م). والظاهر أن القشتاليين كانوا يقصدون بهذه الغزوة، أن يقطعوا صلة ابن هود بالثغور الجنوبية. وكان ابن هود قد افتتح الجزيرة الخضراء في سنة ٦٢٩ هـ، ثم افتتح جبل طارق، وفي نفس هذا العام دخلت سبتة في طاعته حسبما قدمنا، ولكن ابن هود لبث بالرغم من هزيمته، محتفظاً بسلطانه في القواعد والثغور الجنوبية. وما كاد فرناندو الثالث ينتهي من تنظيم الشئون الداخلية التي ترتبت على وفاة أبيه حتى تأهب لاستئناف الغزو. وكان بعد أن أخفق في الاستيلاء على جيان،


(١) J. Gonzalez: Las Conquistas de Fernando III en Andalucia p. ٦٢ & ٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>