للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها تاريخ الملك خايمى نفسه، تردد اسم أبي يحيى كأمير للجزيرة (١). ويقص علينا المخزومي سبب غزو النصارى لميورقة، أو مقدمات هذا الغزو في قوله، إن والي ميورقة بعث طريدة بحرية ومعها سفينة حربية إلى جزيرة يابسة، لتأتى إليه، بالأخشاب التي يحتاج إليها، فعلم بأمرها والي طرطوشة النصراني، فبعث إليها قوة بحرية استولت عليها، فاستشاط الوالي لذلك غضباً، واعتزم أن يغزو مياه بلاد الروم. وفي أواخر سنة ٦٢٣ هـ (أوائل يناير سنة ١٢٢٥ م) ظهرت في مياه يابسة سفينة من برشلونة، وأخرى من طرطوشة، فبعث الوالي ولده في عدة قطع بحرية، فرسى في مياه يابسة، وألفى بها مركباً جنوية كبيرة فاستولى عليها، ثم استولى على المركب البرشلونية. فلما وقف الروم على ذلك، اضطرموا سخطاً، وأهابوا بملكهم أن يقوم بغزو الجزيرة، وعرضوا عليه أن يتطوعوا بأنفسهم، وأموالهم، فأخذ عليهم العهد بذلك، وحشد من أهل البلاد عشرين ألفاً، وجهز في البحر ستة عشر ألفاً آخرين، وكان ذلك في أوائل سنة ٦٢٦ هـ (٢).

هذا ما يقوله المخزومي عن مقدمات غزو ميورقة. ولكن هذه المقدمات ترجع في الواقع إلى أسباب أقدم وأبعد مدى. وقد كان أمراء قطلونية ومعهم جمهوريتا بيزة وجنوة يتوقون دائماً إلى افتتاح هذه الجزائر، ووضع حد لغزوات ولاتها المسلمين، في مياه الشواطىء النصرانية، وكان الكرسى الرسولى يشجع ويبارك كل مشروع لافتتاحها. وقد افتتحها النصارى بالفعل قبل ذلك بنحو قرن في سنة ٥٠٨ هـ (١١١٦ م) في أوائل العهد المرابطي، واستعادها المرابطون على أثر ذلك. ولما استقل بنو غانية بالجزائر وقوى أمرهم، كانت غزواتهم المتكررة، لشواطىء الدول النصرانية القريبة، تزعج هذه الدول، وتحملها على مهادنة أصحاب الجزائر، وعقد معاهدات السلم معهم. فلما افتتح الموحدون الجزائر من أيدي بني غانية، تجددت رغبة الدول النصرانية، في انتزاع هذه الجزائر من أيدي المسلمين، وكان أشدهم رغبة في ذلك مملكة أراجون، التي كانت ترى من حقها الطبيعي، أن تستولى على تلك الجزائر التي تواجه شواطئها، وذلك تأميناً لمواصلاتها وتجارتها، وكان بيدرو الثاني ملك أراجون قد فكر في افتتاح الجزائر بصفة جدية، ولكن لم يتح له تحقيق أمنيته. فكان على ولده الملك الفتى


(١) M. Lafuente: Historia General de Espana, T. IV. p. ٧٧, Nota ٢
(٢) نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>