السفن إلى وجهة غير التي كانت تقصدها، ولكنها وصلت بعد جهد إلى خليج بالما، وهو الخليج الذي تقع عليه مدينة ميورقة عاصمة الجزيرة، وكان والي الجزيرة أبو يحيى بن أبي عمران، قد علم بأمر هذه الأهبة الضخمة التي اتخذها النصارى لفتح الجزيرة، فاستعد من جانبه للدفاع، واستطاع أته يحشد قوة مختارة من نحو ألف فارس، ومن فرسان الرعية والحضر ألفا أخرى، ومن الرجالة ثمانية عشر ألفاً، بيد أنه اكتشف فيما يبدو، مؤامرة لخلعه، فقبض على أربعة من أكابر الأعيان، وأمر بإعدامهم، وكان منهم اثنان هما ابنا أخت أبي حفص بن سيرى وهو من ذوى المكانة والوجاهة، فاجتمع الناس حوله، وأبدوا سخطهم وتوجسهم مما حدث به، وأمر الوالي بعد ذلك بالقبض على خمسين آخرين من الأشخاص البارزين، وكان ذلك في منتصف شهر شوال، وقد اضطرب الناس، وكثر الإرجاف، ولم يمض على ذلك يومان أو ثلاثة حتى أقبلت سفن النصارى وظهرت، فبادر أبو يحيى بالصفح عن خصومه، وتأهبت الحشود لدفع النصارى (١). ولكن السفن النصرانية استطاعت أن تدخل مياه الخليج ليلا، وبمنتهى السرعة، حتى أن القوات المسلمة التي أرسلت لردها، وهي مكونة من مائتي فارس وخمسة آلاف راجل لم تستطع شيئاً لمنعها.
وكان أول من نزل إلى البر قوة من سبعمائة من النصارى بقيادة برناردو دي ارخنتونا، تحصنت بإحدى التلال، وتبعتها فرقة من فرسان رامون دي مونكادا هاجمت المحلة الإسلامية المقابلة، ففرقتها، ثم نزل الفرسان القطلان وبعض طوائف الأرجونيين. وهنا وقعت أول معركة بين المسلمين والنصارى، وكان المسلمون قد استجمعوا سائر قواتهم المرابطة على الشاطىء وانقضوا على الأرجونيين، وحلفائهم بشدة، فهزموهم هزيمة شديدة، وقتل منهم عدد من الأشراف، والفرسان القطلان، وفي مقدمتهم جلين دي مونكادا، وأخوه رامون، وهرعت أمداد من النصارى لإنجاد المهزومين.
وعندئذ ضرب النصارى الحصار حول مدينة ميورقة، وأخذوا يضربونها بمختلف اللآلات بشدة، ورد المسلمون على ذلك، بأن دفعوا قوة منهم حاولت أن تقطع مورد المياه الذي يمد المحلة النصرانية من الجبل. فهاجمها النصارى وقتلوا عدداً منها، وألقوا ببعض رؤوسهم إلى داخل المدينة، على أن الدفاع عن المدينة،
(١) المقري في نفح الطيب نقلا عن المخزومي ج ٢ ص ٥٨٤.