للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن لسوء الطالع محكماً، وكان الخلاف يسود بين المدافعين. وكان كثير من الجند الساخطين يتسربون إلى المعسكر النصراني. وأخيراً استطاع النصارى أن يقتربوا من الأسوار، وأن يحطموا أربعة من الأبراج. ورأى الوالي أبو يحيى أن الوقت قد حان للمفاوضة في تسليم المدينة، فبعث إلى الملك خايمى على يد دون نونيو سانشيز، أحد أقطاب الحملة، يعاونه يهودى من سرقسطة يسمى باشول كان يعرف العربية، يعرض أن يدفع ثمناً لانسحاب ملك أراجون، وذلك بأن يؤدي إليه سائر نفقات الحملة، مذ خرجت من ثغر طركونة إلى يوم انسحابها، على أن لا تترك في الجزيرة حامية نصرانية، ولكنه لما علم أن ملك أراجون يصر كل الإصرار على أخذ المدينة، بعث إليه يعرض تسليم المدينة على أن يسمح له بالخروج إلى المغرب مع أهله وحشمه وأمواله، وأن يترك له السفن التي تحمله إلى شاطىء افريقية، وأن يبقى في الجزيرة من شاء من أهلها المسلمين. ولكن الملك خايمى رفض هذا العرض أيضاً، تحت ضغط الزعماء القطلان. لأنهم كانوا يريدون الانتقام لآل مونكادا، والاستيلاء على غنائم المدينة وثرواتها.

وعندئذ عول أبو يحيى على أن يدافع دفاع اليأس، وعول النصارى من جانبهم على مهاجمة المدينة واقتحامها. وفي يوم ٣٠ ديسمبر سنة ١٢٢٩ م، استعد الجيش النصراني للهجوم، واستمع الجند للقداس، وعند الفجر بدأوا الهجوم وأحدثوا ثلمة في السور، وانثالوا إلى المدينة في طوائف متعاقبة من ناحية باب الكحل، فلقيهم المسلمون في داخلها، واضطرم بين الفريقين في الميادين والشوارع قتال عنيف، وكان الوالي أبو يحيى على رأس جنده ممتطياً صهوة جواده الأبيض، وهو يحثهم على الثبات، ودخل الملك خايمى أمام جنده المدينة، وهو شاهر سيفه. ولم يمض سوى قليل حتى ظهر التفكك في صفوف المسلمين، وأخذوا يفرون من باب بورتبين، وباب برتوليت، وفي سائر النواحي، والنصارى في أثرهم يمعنون فيهم قتلا، وتقدر الرواية الإسلامية من قتل من المسلمين خلال هذه المعركة الدموية بأربعة وعشرين ألفاً (١). وفر منهم إلى الجبال نحو ثلاثين ألفاً، وأسر الوالي أبو يحيى وولده، واستولى النصارى على ميورقة في مناظر مروعة من السفك. وكان استيلاؤهم عليها في يوم الاثنين ٣١ ديسمبر سنة ١٢٢٩،


(١) المقري في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>