للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستغرق كل اهتمام. وعاد الملك خايمى إلى أراجون مكللا بغار الظفر، بعد أن قضى في غزوته زهاء خمسة عشر شهرا، ولقب من ذلك التاريخ " بالفاتح ".

وعاد خايمى بعد ذلك إلى ميورقة أولا في أواخر سنة ١٢٣١ م، حينما نمى إليه أن أمير إفريقية الحفصى ينوى أن يبعث بحملة لاسترداد الجزيرة، وقام عندئذ بإخضاع عدد من المعاقل الجبلية، التي كانت ما زالت قائمة بالمقاومة، وعقد مع بعض الزعماء المسلمين الأقوياء في الأنحاء الجبلية بعض عهود واتفاقات، ثم عاد إلى الجزيرة مرة أخرى في صيف سنة ١٢٣٢ م، واستطاع عندئذ أن يقوم بالقضاء على أعمال العصيان والمقاومة الأخيرة. على أن أهم ما قام به خايمى يومئذ، هو تقسيم أراضي الجزيرة وأحياء ميورقة ودورها بين الزعماء الفاتحين، وفقاً للعهد الذي قطعه على نفسه بذلك، وتم ذلك على يد هيئة من الأحبار والأكابر. وكتب بهذا التقسيم كتاب باللغات اللاتينية، والقطلانية، والعربية، اشتهر " بكتاب التقسيم " El Libro del Repartimiento وقام بتحريره في أول يوليه سنة ١٢٣٢ الكاتب الموثق بيدرو روملينو. وما زال هذا الكتاب يحفظ حتى اليوم في دار المحفوظات ببلدية ميورقة، وقد اطلعنا عليه خلال زيارتنا لميورقة (١).

وكان من الواضح أن مصير باقي الجزائر بعد سقوط ميورقة، قد بت فيه وأضحى رهن مشيئة الفاتحين. فأما جزيرة يابسة Ibiza وهي صغرى الجزائر الثلاثة الكبيرة، وهي تقع جنوب غربي ميورقة، فقد نزل بها الأرجونيون في سنة ٦٣٢ هـ (١٢٣٥ م)، فقاومهم أهلها المسلمون، واستمر الصراع بين الفريقين نحو خمسة أشهر، وانتهى بتسليم المسلمين واستيلاء الأرجونيين على الجزيرة (٢). واستولى النصارى في نفس الوقت على جزيرة فرمنتيرا الصغيرة الواقعة على مقربة من جنوبي يابسة وكانت خالية ليس بها أحد من المسلمين.

هذا فيما يختص بميورقة كبرى الجزائر الشرقية وزميلتها يابسة. وأما جزيرة منورقة أو منرقة الواقعة في شرقي ميورقة، وهي ثانى الجزائر من حيث الحجم، فقد استمرت حقبة أخرى تحت الحكم الإسلامي. ذلك أن واليها الرئيس أبا عثمان


(١) حصلنا على نسخة مصورة من هذا المخطوط الذي يتكون من كراسة كبيرة مستطيلة، تضم تسع ورقات حجمها نحو ٣٠ في ١٥ سنتى. وأمام كل صفحة من صفحاته العربية مقابلها باللاتينية، والقطلانية. راجع وصف الكتاب وبعض نصوصه في كتابنا " الآثار الأندلسية الباقية " (الطبعة الثانية ص ١٣٣ - ١٣٦).
(٢) روض القرطاس ص ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>